للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المتصوَّر عقلياً أن يؤدي الاندماج إلى تقليل حدة التوتر ضد أعضاء الجماعات اليهودية، وهو ما يحدث بالفعل في معظم الأحيان، كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا. ولكن من الثابت أيضاً أن اندماج أعضاء الجماعة اليهودية وتحرُّكهم من مسام المجتمع إلى مركزه وتواجدهم فيها بأعداد كبيرة قد يثير الحقد ضدهم. كما أن غياب الحدود والإشارات المميِّزة قد يؤدي إلى تصاعُد معدل التوتر بين أعضاء الجماعة اليهودية وأعضاء الأغلبية، إذ تظهر الرغبة في تأكيد الحدود (بين أعضاء الأقلية والأغلبية) ، ثم تظهر النماذج التفسيرية العنصرية التي تتحدث عن المؤامرة اليهودية الخفية، وعن تغلغل اليهود في كل مناحي الحياة وتَخفِّيهم وتآمرهم ضد المجتمع. ومن هنا كان النازيون يناصبون اليهود الاندماجيين العداء بسبب عدم وضوحهم، بينما كانوا يتعاونون مع الصهاينة لأنهم يقبلون هوية يهودية متميِّزة وواضحة ومستقلة غير مندمجة في المجتمع. ولهذا، ساهم النازيون في إحياء الثقافة العبرية وشجعوا النشاط الصهيوني. وإذا كان نظام الحكم شمولياً، وأصيب الاقتصاد بكساد وزادت معدلات البطالة، فقد يتحول الهمس العنصري إلى مُخطَّط للطرد والإبادة (كما حَدَث في ألمانيا النازية) .

ويتصور معظم الباحثين أن تصاعُد معدلات العلمنة في المجتمع يزيد روح التسامح تجاه أعضاء الأقليات، ومن ثم تتزايد معدلات دمجهم. وهو افتراض سليم في بعض الأحيان، ولكن هناك أمثلة تدل على أن العكس قد يحدث. فمع تصاعُد معدلات العلمنة في الغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت موجة من العنصرية، تستند إلى محاولة تعريف الإنسان من خلال عنصر مادي كامن فيه (حجم جمجمته - لون جلده - لون شعره) وهو ما أدى إلى ظهور النظريات العنصرية الغربية التي خلقت التربة الخصبة للحركات الشمولية والفاشية التي قامت بعزل اليهود والحرب ضد دمجهم.

العزلة اللفظية والاندماج البنيوي

<<  <  ج: ص:  >  >>