«العزلة اللفظية» هي أن يدَّعي أعضاء الجماعة اليهودية أن لهم هوية متميِّزة، مختلفة بشكل جوهري عن الهوية السائدة في المجتمع، في الوقت الذي تتآكل فيه هويتهم وتنتهي عزلتهم من خلال عمليات الدمج البنيوي. ولعل الولايات المتحدة أفضل مثل لذلك في الوقت الحاضر. فرغم أن النبرة الإثنية اليهودية عالية للغاية، إلا أن الهوية اليهودية آخذة في التآكل وأكبر دليل على هذا معدلات الزواج المُختلَط العالية التي تزيد في بعض الولايات عن ٦٠% من مجموع الزيجات اليهودية. ولذا لا يكف الصهاينة عن التحذير من الاندماج، باعتباره أكثر خطورة على اليهود من الإبادة النازية (الهولوكوست) .
ويركن معظم الدارسين العرب إلى اقتباس ادعاءات اليهود عن هويتهم باعتبارها حقائق، ثم يدرسون واقع الجماعات اليهودية في إطار هذا الادعاء، ويبدأون في مراكمة الشواهد على صدقه، متجاهلين كماً هائلاً من المعلومات يدل على العكس. ومن الثابت تاريخياً أن الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة حققت أسرع معدلات الاندماج بالمقارنة بمعدلات اندماج الأقليات المهاجرة الأخرى.
الاندماج السياسي والاقتصادي والاندماج الحضاري: أشكالهما المختلفة
Political and Economic, and Cultural Assimilation: Their Different Forms عملية الاندماج عملية مركبة يوجد فيها أساساً طرفان: أعضاء الأغلبية وأعضاء الأقلية. ولكن الطرفين ليسا متساويين، إذ أن مجتمع الأغلبية هو العنصر الحاسم في تقرير طبيعة العلاقة بين الأغلبية والأقلية، فهو الذي يسم الأقلية بميسمه، ومن هنا فالمسئولية (الاجتماعية والأخلاقية) تقع على عاتق الأغلبية بالدرجة الأولى.
ويمكن أن ننظر للعلاقة بين الأغلبية والأقلية من منظور سياسي واقتصادي مباشر، كما يمكن أن ننظر إليها من منظور أكثر تركيباً، وهو المنظور الحضاري: