ويُلاحَظ أن هذه الفترة شهدت بداية العقيدة الألفية أو الاسترجاعية التي تتحدث عن رؤية الخلاص وعودة المسيح، وهي رؤية ترتبط بعودة اليهود إلى أرض الميعاد. ومن ثم، تظهر صورة اليهودي كعنصر لا جذور له يمكن نقله من مكان إلى مكان. وهذه الصورة هي الصياغة البروتستانتية لفكرة الشعب الشاهد الكاثوليكية والتي تحولت فيما بعد إلى صورة الشعب العضوي المنبوذ، ويظهر اليهود كعنصر استيطاني وكجواسيس يمكن نقلهم وتحريكهم والاستفادة منهم، وهي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة.
كما شهدت هذه الفترة ظهور الجيتوات في إيطاليا وفي بعض مدن وسط أوربا، الأمر الذي كان يعني تراجُع أعضاء الجماعات اليهودية وانكماش دورهم في المجتمع. ولكن هذه الفترة شهدت أيضاً بداية ظهور يهود الأرندا في بولندا واضطلاع اليهود فيها بدور مهم في الاقتصاد التجاري. وقد حصل اليهود على العديد من المزايا التي جعلت مستواهم المعيشي يفوق كثيراً مستوى الأقنان وأعضاء الطبقة الوسطى البولندية، بل وصغار النبلاء. وفي عام ١٦٤٨، اندلعت ثورة شميلنكي، وهي ثورة شعبية فلاحية شاملة ضد الحكم الإقطاعي البولندي الكاثوليكي الذي كان يمثله العنصر التجاري الوسيط اليهودي في وسط فلاحي أوكراني أرثوذكسي، فكان هذا الوضع وضعاً تاريخياً يتسم بالتلاقي الكامل بين العداء الطبقي من جهة والعزلة الاجتماعية والثقافية والدينية والعرْقية من جهة أخرى، وهو الوضع الأمثل للانفجارات العنصرية. وقد اكتسحت الثورة في طريقها الجيوب البولندية واليهودية. وفي الأدبيات الصهيونية، يُقرَن شميلنكي بهتلر، مع أن الأول زعيم ثورة شعبية فلاحية له تمثال في كييف باعتباره قائداً للثورة، والآخر زعيم نظام شمولي قام بعملية إمبريالية عنصرية.