سادت العصور الوسطى في الغرب صور إدراكية ثابتة عن اليهود، منها أن اليهود شعب شاهد، ومنها أنهم مصاصو دماء، ومنها أنهم قتلة المسيح، وأنهم يدنِّسون خبز القربان ويسمِّمون الآبار. وغني عن القول أن معظم هذه الأفكار فقد كثيراً من البريق والشيوع، وحلت محله أفكار وصور إدراكية ثابتة أخرى سنكتشف أن معظمها ظهر من خلال علمنة الصور الإدراكية السابقة وإعطائها أساساً علمياً مادياً.
وينطلق فكر عصر الاستنارة (العقلانية المادية) ، وهو إحدى أهم ركائز الفكر الحديث في الغرب، من فكرة المساواة الكاملة بين البشر ومن كفاية العقل للوصول إلى الحقيقة دون حاجة إلى وحي إلهي. وهذه المساواة تشمل المسيحي واليهودي وكل البشر، ولكنها في ذات الوقت مساواة لا تعترف بهوية أي منهم ولا تحترم أية خصوصية، أي أنها مساواة تتم في إطار فكرة الإنسان الطبيعي النافع حيث لا يشكل الإنسان إلا جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة (فهي تسوية أكثر منها مساواة) . ومن ثم، دافع فلاسفة الاستنارة عن اليهود من منظور المساواة الكاملة ومن منظور نفعهم وإمكانية الاستفادة منهم بعد إصلاحهم وتقويمهم بما يتفق مع المعايير العقلية الطبيعية الجديدة.
أما مفهوم الدفاع عن أعضاء الجماعات اليهودية من منظور نفعهم، فهو يتضمن قدراً كبيراً من رفضهم وعدم قبولهم باعتبارهم بشراً لهم حقوقهم الإنسانية المطلقة لأن العنصر النافع يجب التخلص منه إن فقد نفعه. وعلى أية حال، فإن هذا المقياس لم يُطبَّق على اليهود وحدهم وإنما طُبِّق على مختلف أعضاء المجتمع الذي تحكمه الدولة القومية العلمانية. بينما أدَّى إصلاح اليهود إلى ظهور أدبيات شرسة تشير إلى طفيلية اليهود وهامشيتهم وطرق إصلاحهم.