للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«البنية» شبكة العلاقات القائمة في الواقع التي قد يعقلها الإنسان ويجردها بعد ملاحظته للواقع في كل علاقاته المتشابكة، ويرى أنها تربط بين عناصر الكل الواقعي أو تجْمع أجزاءه، وأنها القانون الذي يضبط هذه العلاقات ولكنه قد لا يدركها على الإطلاق. ومن ثم فالبنية، كما تتبدَّى في عقل الإنسان، ليست ذاتية ولا موضوعية تماماً. هذا لا يعني أن البنية مجرد "إدراك" لشبكة العلاقات ونموذج عقلي يجرده الإنسان، وإنما هي كل من "الإدراك" (الذاتي) و"الشبكة" (الموضوعية) ، أي أن البنية، إلى جانب وجودها الذاتي في العقل، لها وجود موضوعي في الواقع، قد يدرك الإنسان معظم أو بعض جوانبه، وقد لا يدرك أياً منها.

وقد يكون من المفيد التمييز بين «البنية السطحية» و «البنية العميقة» ، فالبنية السطحية هي هيكل الشيء ووحدته المادية الظاهرة، أما البنية العميقة فهي كامنة في صميم الشيء وهي التي تمنح الظاهرة هويتها وتُضفي عليها خصوصيتها. وعادةً ما يعي كثير من الدارسين البنية السطحية المادية المباشرة، فإدراكها أمر متيّسر ويتم بالحواس الخمسة، أما إدراك البنية الكامنة فهو أمر أكثر صعوبة، يتطلب استخدام الحواس وإعمال العقل والخيال والحدس. وكثيراً ما يعيش البشر داخل بنى اجتماعية وتاريخية واقتصادية يستبطنونها فتؤثر في سلوكهم وتشكِّل رؤيتهم للكون وتُحدِّد خطابهم الحضاري دون وعي منهم. ومن ثم، فإن ثمة فارقاً بين «البنية» من جهة، و «النية» و «النموذج» الذي يحرك المرء ويحدد سلوكه من جهة، فقد تَخلُص النية ولكنها تتعارض مع قوانين البنية، ولذا قد يجد المرء نفسه يسلك سلوكاً يختلف تماماً عما نواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>