للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن أن نضرب مثلاً على الانفصال الكامل بين النموذج والبنية. إن سألنا ربة البيت: ماذا تعملين يا سيدتي؟ سيكون ردها "لا شيء"، فهذا هو النموذج الذي تؤمن به ويحركها. ولكنها مع نهاية اليوم ستكون منهكة تماماً من أثر ما قامت به من "أعمال". وإن دققنا قليلاً لاكتشفنا أن النموذج الذي تدرك هذه المرأة الواقع من خلاله قد عرَّف العمل بأنه ما يتم أداؤه في رقعة الحياة العامة شريطة أن يتقاضى عنه الإنسان أجراً، أما ما يتم في رقعة الحياة الخاصة وما لا يتقاضى عنه أجراً فهو ليس عملاً، رغم أن ربة البيت هذه قضت سحابة يومها تعمل (تنشئة الأطفال ـ الطبخ ـ تنظيف المنزل ... إلخ) ، أي أن بنية واقعها متناقضة تماماً مع نموذجها المعرفي والإدراكي.

وحينما توصلت الحضارة الغربية إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة فهي قد توصلت إلى نموذج معرفي لا علاقة له ببنية الواقع في فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) . ويتبدَّى هذا في وعد بلفور الذي أشار إلى شعب فلسطين باعتباره «الجماعات غير اليهودية» ، وما حدث في فلسطين منذ ذلك التاريخ هو إعادة صياغة العلاقات القائمة في الواقع (بنيته) حتى يتفق النموذج المعرفي مع البنية. وهو ما حدث إلى حدٍّ ما مع ظهور كتلة بشرية استيطانية احتلت فلسطين وطردت كثيراً من سكانها، ولكن التطابق ليس كاملاً، ومن يقاوم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني يقول في واقع الأمر إن بنية العنف والظلم التي تشكلت في الواقع ليست نهائية، فنحن نحمل نموذجاً معرفياً أكثر إنسانية وأكثر عدلاً من النموذج السائد في الوقت الحاضر. ونحن نهدف إلى تغيير بنية العلاقات في الواقع، فنقيم العدل في الأرض ونحقق السلام الشامل الدائم المبني على العدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>