ونحن نستخدم أحياناً كلمة «نسق» و «منظومة» لنؤكد انفصال «النموذج» عن الذات تماماً كما نفعل مع «البنية» ولعل الفارق بين هذه المفردات أن كلمتي «نسق» و «منظومة» تتعاملان بالدرجة الأولى مع عالم الفكر المترابط متمثلاً في العلاقات السائدة في المجتمع. أما البنية فتتعامل بالدرجة الأولى مع العلاقات السائدة في المجتمع إما باعتبارها تعبيراً عن نموذج معرفي أو باعتبارها كياناً موضوعياً يعبِّر عن نموذج ما لم ندرك طبيعته بعد. فالبنية تؤكد عنصر انفصال «النموذج» تماماً عن الذات، دون التركيبية.
كما أننا نتحدث أحياناً عن «بنية الفكر» أو «بنية النموذج» ، ونحن في هذه الحالة لا نتحدث عن علاقات في الواقع وإنما عن طريقة ترابط الأفكار داخل نموذج ما، وما هو جوهري منها وما هو عرضي (بغض النظر عن رؤية حامل النموذج) . فبعض المؤمنين بالأيديولوجية النازية كانوا يؤمنون بأن جوهر النازية هو رسالتها الحضارية لتوحيد العالم وسيادة الجنس الآري باعتباره أمراً يخدم صالح البشرية جمعاء، أما ما تم من عنصرية وإبادية فهي أمور عرضية، أو أمور استبعدها النموذج تماماً. والصهاينة كانوا يتحدثون عن عودة اليهود إلى وطنهم القومي، وهذا هو جوهر الفكر الصهيوني والنموذج المعرفي الصهيوني. أما طَرْد الفلسطينيين والمذابح التي ارتكبت ضدهم فقد تم التزامه الصمت تجاهها باعتبارها غير موجودة أساساً أو أمراً تافهاً عرضياً مع أن طرد العرب هو جزء جوهري من النموذج، لا يمكن أن يتحقق دونه.