للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُعتبَر ريكاردو من أهم الفلاسفة الاقتصاديين الكلاسيكيين الذين قدَّموا رؤية اقتصادية (مادية) محضة، فهو لم يشغل باله بالاعتبارات الأخلاقية أو النفسية فقدَّم رؤية أحادية علمية (بالمعنى الضيق) من خلال أسلوب مجرد شبه رياضي لا يستخدم أية استشهادات تاريخية بقدر ما يلجأ لاستشهادات مجردة افتراضية. وجعل ريكاردو العامل الاقتصادي هو العامل الأساسي أو المبدأ الواحد الذي يُرَدُّ إليه سلوك الإنسان (القوة الدافعة له التي تتخلل ثناياه وتضبط وجوده) . كما أنه، شأنه شأن الفلاسفة النفعيين، جعل حب الذات الدافع الأساسي في سلوك الإنسان، ومن ثم فإن المنافسة هي الآلية الكبرى. وعلى هذا، ساهم ريكاردو مساهمة فعالة في وضع أسس علم الاقتصاد الحديث وفي فصله عن المنظومات الدينية والأخلاقية وعن العلوم الأخرى، وجعله مجموعة من المبادئ تتعامل مع المصادر المادية. كما طوَّر النماذج الرياضية المجردة، وهو ما يعني استبعاد العناصر الإنسانية والأخلاقية. ويظهر في كتاباته الإنسان الاقتصادي الذي لا يبحث إلا عن مصلحته، واليد الخفية التي طرحها سميث تفقد أي مضمون ديني أو إنساني لتصبح جزءاً من الآلية الاجتماعية الصماء (قوة لا متعينة لا تعرف التمايز الفردي) .

ويمكن أن نضع ريكاردو في إطار أولئك المفكرين اليهود السفارديين (الممتدين من إسبينوزا إلى دريدا) الذين قاموا بتفكيك ظاهرة الإنسان تماماً ورأوه في ضوء مجموعة من الحتميات المادية الصارمة وردوه إلى بعض الأصول المادية دون أية مثاليات أو غيبيات. وعالم ريكاردو المادي الآلي لا يختلف كثيراً عن عالم إسبينوزا في ماديته وآليته الصارمة، فهو عالم تسوده المادية الصلبة التي لا تحتمل أية فراغات أو ثغرات أو مسافات، ومن هنا جاءت سيادة النماذج الرياضية والهندسية في كتابات كل منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>