للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن خلال تحليله ودراسته نصوص وفكر القدماء، عمل ستراوس على إبراز قيمة الفكر السياسي الكلاسيكي بالمقارنة بالفكر الحديث. وتبيِّن أعماله، مثل ما الفلسفة السياسية (١٩٥٩) والحق الطبيعي والتاريخ (١٩٦٥) والليبرالية: القديمة والحديثة (١٩٦٨) ، مدى انتمائه للتيار المحافظ في الولايات المتحدة، وهي تتضمن نقداً للليبرالية الحديثة التي يرى ستراوس أنها حافلة بالمشاكل الجوهرية التي لا سبيل إلى معالجتها، فهو يرى أن الديموقرّاطية القائلة بالمساواة بين البشر وبنسبية القيم لا ينتج عنها سوى ثقافة جماهيرية منحلة واتجاه نحو التكيف والامتثال ويفرز ذلك قيادات مفلسة أخلاقياً. ويدعو ستراوس إلى نظام نيابي تقوده صفوة متميِّزة ويستلزم ذلك وجود طبقة أرستقرّاطية تمتلك الثقافة الرفيعة. وقد انتقد ستراوس أيضاً الوضعية والتاريخية اللتين ترفضان مفهوم الحقيقة الأخلاقية الثابتة، وتفتتان الحياة السياسية الملموسة إلى تجريدات خاوية وثنائيات زائفة. كما رأى أن الفكر السياسي الحديث تخلى عن هدف البحث عن القيم الأخلاقية الدائمة، وهو هدف الفلسفة الكلاسيكية في سبيل أهداف سياسية سهلة المنال، تسعى إلى التحكم في الإنسان والسيطرة عليه بعيداً عن أية معايير أخلاقية.

وتعود أهمية ستراوس إلى تأكيده أهمية تحليل الخطاب وفك شفرته للوصول إلى المعنى الحقيقي الكامن، وهو بذلك يُعَدُّ أحد المفكرين الغربيين (من أصل يهودي) الذين انشغلوا بآليات تحليل الخطاب ومحاولة الوصول إلى المعنى الكامن بين السطور، مثل جاكوبسون ودريدا، ولعل هذا يعود إلى تراث التفسير اليهودي والتراث الماراني. ولكن لابد من الإشارة إلى أن الاهتمام بتحليل النصوص وبفلسفة اللغة بشكل عام هو اهتمام مركزي في الحضارة الغربية الحديثة، بخاصة في القرن العشرين، كما أصبح مبحث اللغة من المباحث الأساسية في الفلسفة، ولعل هذا يعود إلى تصاعد مشكلة المعنى وانتشار النسبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>