للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتسم فكر أرنت بالشمول والاتساع، كما يتضح من عناوين بعض كتبها التي نجد من بينها أصول الشمولية (١٩٥١) ، والعنف (١٩٧٠) ، وأزمة الجمهورية (١٩٧٣) ، وحياة العقل (١٩٧٨) ، ومحاضرات عن فلسفة كانط السياسية (١٩٨٢) ، كما كتبت عن الثورة وأزمة المجتمع الحديث. وتدور معظم اهتماماتها حول تآكل المجال العام في المجتمع الحديث، وهو تآكل يواكبه تآكل الحرية والفكر، فتذهب أرنت إلى أن الحرية (الفعل التلقائي) والفكر (الحوار الداخلي بين الضمير وإدراك المعنى) يتوقف على الفصل بين الحياة السياسية (المجال العام) والحياة الاجتماعية والاقتصادية (المجال الخاص) . فالمجال الخاص يعطي الفرد الحيز الذي يحتاج إليه للتفكير ويحميه من هيمنة المجال العام. وهي ترى أن المدينة اليونانية، بديموقرّاطية المشاركة التي سادت فيها، كانت وضعاً مثالياً، إذ كان بوسع الفرد أن ينسحب من الحياة العامة (السياسية) إلى مجاله الخاص ليفكر ويتأمل ويختار (ويُحكِّم ضميره ويفهم معنى الأمور) . وترى أرنت أن المجتمع الحديث يتسم بأن المجالين العام والخاص قد اندمجا تماماً، وبذا حُرم الإنسان من المجال الخاص وتم رد الفكر والعقل إلى مستوى النفعية التي لا تهتم إلا بالبقاء البيولوجي (الإنتاج والاستهلاك) ، أي أن المجتمع الحديث يلغي ثنائية المادة والروح، ويسقط في حلولية دون إله (إذا أردنا استخدام مصطلحنا) . وساهم كل هذا في ظهور المجتمع الجماهيري، كما ظهرت النزعة الذرية والاغتراب واللا معيارية التي تؤدي بدورها إلى الشمولية. وهي ظاهرة جديدة تماماً في تاريخ الإنسانية ومختلفة عن الدكتاتورية التقليدية، إذ أن كل مجالات الحياة الخاصة والعامة في العصر الحديث تخضع لهيمنة الدولة، على عكس الماضي حين كانت الحياة العامة وحدها هي التي تخضع لسلطان الحاكم. والشمولية الحديثة ليست ظاهرة واضحة، وإنما هي ظاهرة هلامية تتغلغل في كل أشكال الحياة، إذ لا يوجد مركز واضح للسلطة،

<<  <  ج: ص:  >  >>