للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أهم دراساتها الأخرى، كتاب أيخمان في القدس ـ تقرير عن تفاهة الشر (١٩٦٣) الذي أثار ضجة كبيرة، فقد بيَّنت أن القيادات اليهودية الأوربية أثناء المواجهة مع النازيين لم تكن قط على مستوى المسئولية، وأن الضحايا كانوا مسئولين إلى حدٍّ ما عن المذبحة التي وقعت لهم لأن عددهم يصل إلى الملايين. فقد كان بوسعهم، عن طريق المقاومة السلمية وحدها، أن يعطلوا آلة الحرب النازية. كما أن أيخمان لم يكن سوى بيروقرّاطي تافه عادي يؤدي ما يوكل إليه من مهام مثل أي موظف في بيروقرّاطية حديثة، ومعنى ذلك أنه نتيجة طبيعية لعملية الترشيد التي تؤدي إلى الشمولية. واتسم نقلها لما حدث في قاعة المحكمة بالأمانة الشديدة، فأشارت على سبيل المثال إلى خطبة المدعي العام الإسرائيلي الذي بيَّن كيف لاقى الشعب اليهودي صنوف العذاب في كل زمان ومكان على يد الأمم، فقام محامي أيخمان وتساءل عن سرّ ذلك، وعما إذا كان هناك خلل ما في هذا الشعب؟ وأصيبت المحكمة بالذهول بسبب هذا السؤال. كما يبين كتاب أرنت أن القيادة الصهيونية في المجر وغيرها من الدول تعاونت مع النازيين وعقدت معهم اتفاقية تقوم بمقتضاها القيادة الصهيونية (رودلف كاستنر) بضمان سكوت أعضاء الجماعة اليهودية وامتناعهم عن مقاومة عمليات الترحيل (عن طريق خداعهم وإقناعهم بأنهم متوجهون إلى معسكرات عمل وليس إلى معسكرات الإبادة) مقابل أن يسمح النازيون لعدد من اليهود، وصفهم أيخمان بأنهم من أفضل المواد البيولوجية بالهجرة إلى فلسطين. وقد وصف جرشوم شوليم هذا الموقف بأنه قاس وخبيث ولا ينم عن أي حب للشعب اليهودي. وردت أرنت على هذا الاتهام بالإيجاب، فهي حسب قولها لا تحب شعباً بشكل جماعي «فأنا لا أحب سوى أصدقائي، والحب الوحيد الذي أعرفه هو حب الأفراد» .

<<  <  ج: ص:  >  >>