فأين تكمن خصوصية دوركهايم اليهودية؟ إن السياق الكلي والأساسي الذي يتحرك داخله دوركهايم هو الفكر الغربي العلماني الحديث الذي لا تختلف بنيته عما بيَّنا من قبل، ولا يمكن فهم فكره إلا في إطار هذا الفكر، بل لا يمكن فهم خصوصيته إلا في إطار خصوصية الفكر الفرنسي العقلاني المادي (الكاثوليكي في بعض أشكاله) . ولا شك في أن جذور دوركهايم اليهودية لعبت دوراً في تأكيد بعض العناصر (الحلولية المتطرفة) وفي بلورة بعض العناصر الأخرى (أهمية التضامن في المجتمع والفكر العضوي) ، ولكن المنظومة بقضها وقضيضها تظل منظومة علمانية عقلانية مادية بكل ما تتسم به هذه المنظومة من وضوح ومادية وتبسيط.
جورج زيميل (١٨٥٨-١٩١٨ (
Georg Simmel
يُعتبَر جورج زيميل مؤسِّس ما يُسمَّى «علم الاجتماع الشكلي» ، وأحد رواد علم النفس الاجتماعي واتجاه التفاعلية الرمزية. كما يرتبط اسمه بعلم اجتماع الجماعات الصغيرة. وقد ظهرت معظم أعماله في شكل مقالات انطباعية، ولم تشمل أية معالجة منهجية شاملة للعلاقات الاجتماعية، ولعل هذا يعود للعناصر الثلاثة التالية:
١ ـ وُلد زيميل في وسط برلين في منتصف القرن التاسع عشر، أي أنه وُلد في مدينة كبيرة تخوض ثورة تجارية وصناعية واجتماعية، وفي بيئة حضرية لا تسمح للإنسان بالانتماء الكامل.
٢ ـ وُلد زيميل لأب كان يهودياً ثم تنصَّر وأصبح كاثوليكياً مثله مثل كثير من يهود برلين في ذلك الوقت، ومات والد زيميل وهو بعد طفل، ويبدو أنه لم يكن على علاقة طيبة بأمه التي كانت يهودية وأصبحت بروتستانتية لوثرية، أي أن انتماءه الديني لم يكن واضحاً، وحياته العائلية لم تُزوِّده بالطمأنينة اللازمة، ورغم أنه تم تعميده إلا أنه فقد الإيمان الديني.