للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعود أهمية سعيد بن يوسف إلى أنه ظهر في وقت كانت اليهودية الحاخامية تعاني فيه أزمة حقيقية، نتيجة انتشار الإسلام وازدهار الحضارة الإسلامية بكل معارفها بوتيرة سريعة، الأمر الذي أدَّى بالكثير من اليهود إلى اعتناق الدين الجديد، أو الشك في دينهم، أو محاولة إصلاحه، كما يتبدَّى في اليهودية القرّائية التي رفضت التلمود ومفهوم الشريعة الشفوية. ومن مظاهر هذه الأزمة أيضاً إعلان الحاخام هارون بن مائير عام ٩٢١ أن التقويم اليهودي الذي تصدره حلقات العراق خاطئ، محاولاً بذلك تأكيده أهمية المركز الفلسطيني مقابل المركز العراقي. ومن هنا، فقد أصدر الحاخام هارون تقويماً فلسطينياً، الأمر الذي أدَّى إلى انقسام الجماعات اليهودية، فكان الاحتفال بالأعياد يتم في أيام مختلفة. وقد تمكَّن سعيد من الرد على قيادة المركز الفلسطيني استناداً إلى معرفته بعلم الفلك.

وقد كانت حياة سعيد عاصفة، فبعد استقراره في العراق عُيِّن رئيساً (جاءون) لحلقة سورا التلمودية، ثم نشبت معركة بينه وبين رأس الجالوت. وقد ألَّف في هذه المرحلة كتاب الأمانات والاعتقادات الذي ألَّفه بالعربية (ثم تُرجم إلى العبرية فيما بعد بعنوان أمونوت وديعوت) ، وهو كتاب يهدف إلى الرد على القرّائين، وإلى جعل اليهودية عقيدة مقبولة لليهود المتعلمين من خلال تقديم تفسير عقلاني لها. ويبدو أنه كان يهدف أيضاً إلى تقديم عقائد اليهودية للعالم الإسلامي، فاتبع في مؤلفه هذا أسلوب المتكلمين الإسلاميين ومنهجهم، كما مزج التوراة بالحكمة اليونانية حسب قواعد علم الكلام، وقد كان سعيد بن يوسف يرى أنه لا يوجد أي صراع بين العقل والوحي. كان سعيد بن يوسف جزءاً من الخطاب الحضاري العربي الإسلامي ولذا فلم يكن يجد أي حرج في الإشارة للتوراة باعتبارها «الشريعة» وللعهد القديم باعتباره «قرآناً» ، والاتجاه نحو القدس أثناء الصلاة بأنه «قبلة» ، أما المرتل «حزان» فكان يشير له بأنه «الإمام» .

<<  <  ج: ص:  >  >>