كان هرتزل يعرف أن أحد أشكال العلاقة بين جماعات المستوطنين والتشكيل الاستعماري الغربي هو الشركات الاستعمارية الاستيطانية ذات البراءة، ولذا فحينما طلب قيصر ألمانيا من هرتزل أن يلخص له ما يريده قال الأخير:"شركة ذات ميثاق أو براءة تحت الحماية الألمانية". ومرة أخرى، أظهر هرتزل براعته الفائقة وحسه العملي الزائد. فبدلاً من أن يقدم إلى القيصر ديباجة طويلة مملة عن حقوق الشعب اليهودي وعن ارتباطه الأزلي بأرض الميعاد، أو حتى عن بؤس يهود شرق أوربا وما شابه ذلك من شعارات ما كانت لتنطلي على القيصر الذي كان يتحرك في نطاق الصيغة الصهيونية الشاملة ويعرف جيداً مدى فائدة اليهود ونفعهم وضرورة التخلص منهم. بدلاً من كل ذلك، قال له هرتزل عبارة واحدة تلخص كل شيء. ولكي ندرك مدلول العبارة كما فهمها ممثل الصهيونية وممثل الدولة الراعية، لابد من وضعها في سياقها التاريخي والحضاري. والكلمة الأساسية هنا هي كلمة «تشارتر charter» الإنجليزية وهي مستقاة من الكلمة اللاتينية «كارتا charta» (ورقة أو خطاب) ومعناها «خطاب أو ترخيص ينص على حقوق معينة تمنحها حكومة أو حكام لشخص أو شركة» . وهي الكلمة نفسها التي كانت تُستَخدم في العصور الوسطى في الغرب للإشارة إلى الاتفاق الموقَّع بين الجماعة اليهودية كجماعة وظيفية والسلطة الحاكمة.