رغم أن حروب الفرنجة ظاهرة مرتبطة بالتشكيل الحضاري الغربي في العصر الوسيط، فقد ساهمت هذه الحروب وبعمق في صياغة الإدراك الغربي لفلسطين والعرب. ولا يملك الدارس إلا أن يُلاحظ عمق التشابه بين المشروع الفرنجي والمشروع الصهيوني الإسرائيلي، وهذا أمر متوقع لأن كليهما جزء من المواجهة المستمرة بين التشكيلين الحضاريين السائدين في الغرب والشرق العربي، كما أن حملات الفرنجة هي نقطة انطلاق أوربا نحو التوسع والإصرار على بسط سيطرتها على الخارج. والواقع أن حملات الفرنجة احتوت بذور كل أشكال الإمبريالية الأوربية التي حكمت فيما بعد حياة جميع شعوب العالم (على حد قول أحد مؤرخي حملات الفرنجة الغربيين) . ولهذا، أصبحت حملات الفرنجة صورة مجازية أساسية في الخطاب الاستعماري الغربي، وأصبحت ديباجاتها هي نفسها ديباجة المشروع الاستعماري الغربي. وقد رأى كثير من المدافعين عن المشروع الصهيوني، من اليهود وغير اليهود، أنه استمرار وإحياء للمشروع الصليبي أي الفرنجي ومحاولة وَضْعه موضع التنفيذ من جديد في العصر الحديث. فقد ألَّف سي. آر. كوندر عام ١٨٩٧، وهو صهيوني غير يهودي ومؤسس صندوق استكشاف فلسطين، كتاباً عن تاريخ المملكة اللاتينية في القدس أشار فيه إلى أن الإمبريالية الغربية قد نجحت فيما أخفقت فيه الحملات الصليبية أي حملات الفرنجة. والواقع أن تصوُّره هذا يشبه في كثير من الوجوه تصوُّر الصحافة البريطانية وكذلك تصوُّر بعض أعضاء النخبة الحاكمة في بريطانيا بأن هجوم أللنبي على القدس يساوي حملة صليبية أخرى. وقد صرح لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، والذي أصدرت وزارته وعد بلفور، أن أللنبي شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصاراً. ويمكننا أن نقول إن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الفرنجي بعد أن تمت علمنته، وبعد أن تم إحلال المادة البشرية اليهودية التي تم تحديثها وتطبيعها وتغريبها وعلمنتها محل المادة البشرية