يدخل عضو الجماعة الوظيفية في علاقة تعاقدية مع مجتمع الأغلبية الذي يرده إلى مبدأ واحد (الواحدية الوظيفية) ويعرِّفه في إطار وظيفته ويحتفظ به المجتمع بمقدار نفعه ويدخل معه في علاقة رشيدة تماماً خاضعة لحسابات الربح والخسارة، فهو (من وجهة نظرهم) ليس إنساناً متعيِّناً مركباً ذا دوافع إنسانية مركبة كثيرة، وإنما هو إنسان وظيفي ذو بُعد واحد تم تجريده في ضوء نفعه ووظيفته الواحدة، فيصبح إنسان العلمانية الطبيعي/ المادي. وهو يمكن أن يكون الإنسان العلماني الاقتصادي، المنتج والمستهلك، الذي يدخل في علاقات اقتصادية إنتاجية لا شخصية، أو الإنسان العلماني الجسماني الذي يُكرِّس نفسه لملذاته. وعضو الجماعة الوظيفية ليس ضحيةً لعملية التجريد التي تُطبَّق عليه، إذ يقوم هو نفسه بتجريد المجتمع في ضوء العائد الاقتصادي الذي يحصل عليه منه، كما يقوم بتجريد ذاته وتحييدها حين يدخل في علاقة مع هذا المجتمع في رقعة الحياة العامة. ولكنه، مع هذا، يمارس إنسانيته المُتعيِّنة المركبة في رقعة ضيقة من الجيتو وهي رقعة الحياة الخاصة. ويقوم عضو الجماعة الوظيفية بترشيد حياته (العامة) تماماً في ضوء الوظيفة التي يضطلع بها، فيكبح جماح أية عواطف إنسانية مركبة ويُطبِّق على نفسه نماذج رياضية رشيدة ويتقبل أهدافاً مادية لا إنسانية حتى يتسنى له القيام بوظيفته. وإذا كانت العلمنة والترشيد هما عملية فرض الواحدية المادية على المجتمع والفرد، فإن عضو الجماعة الوظيفية، من خلال إخضاع ذاته للواحدية الوظيفية ومن خلال استبطانه لها، ومن خلال رؤيته لأعضاء المجتمع المضيف باعتبارهم وسائل لا غايات ومصدراً للنفع، يصبح قادراً تماماً على حوسلة نفسه وتوظيفها وترشيدها دون أية مشاكل أخلاقية أو نفسية، ولذا فهو يرى نفسه شيئاً بين أشياء، مجرد علاقة إنتاج أو ربما أداة من أدوات الإنتاج والإدارة.