للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عضو الجماعة الوظيفية لا يرتبط بوطن، ولذا فهو جوّال لا وطن له (بالإنجليزية: هوملس homeless) ، وهذه هي بعض صفات الإنسان العلماني (الإنسان الطبيعي الوظيفي) . وإن عرف عضو الجماعة الوظيفية وطناً فهو وطنه الأصلي، وهو وطن وهمي وجداني، أما وطنه الحقيقي فهو وظيفته. كما أنه يمارس إحساساً عميقاً بقداسته وهويته المنفصلة المتميِّزة، وهكذا الإنسان في المجتمع العلماني الذي يرتبط بمنفعته ولذته ورأسماله الذي لا يعرف حدوداً أو وطناً. وهو حريص دائماً على حدود هويته، ولكنها هوية وهمية في عالم نمطي تسيطر عليه المؤسسات التي تنشر النمطية. وعضو الجماعة الوظيفية لا يرتبط بتاريخ بلده (فالخلاص دائماً في النهاية في صهيون) ، ولهذا فبإمكانه أن يعيش في حالة حرمان في الحاضر (الآن وهنا) باسم التمتع بالمستقبل (حينئذ وهناك) ، وهذا الموقف يؤدي إلى شكل من أشكال الترشيد، إذ يؤدي إلى إنكار الذات وتَراكُم رأس المال والخبرات وادخار الطاقة وعدم تبديدها. والإنسان العلماني في مرحلة التراكم الرأسمالي والتقشف لا يختلف عن ذلك كثيراً.

٤ ـ ازدواجية المعايير والنسبية والأخلاقية:

تُولِّد ازدواجية المعايير لدى عضو الجماعة الوظيفية مرجعية ذاتية كامنة، فثمة معيار أخلاقي ينطبق على الجماعة (فهي مقدَّسة) ومعيار ينطبق على الآخر، فهو مباح تماماً ويقع خارج نطاق المطلقات الأخلاقية وداخل دائرة المباح، تسري عليه القوانين التي تسري على الأشياء. وهذا يعني، في واقع الأمر، نسبية الأخلاق ورفض مقولات الخير والشر فهي مقولات عامة عالمية. وهنا تظهر إرادة القوة إذ أن ما يقرره عضو الجماعة الوظيفية هو وحده المعيار الأخلاقي (في غياب معايير إنسانية عامة) ، وتظهر عقلية الغزو إذ يمكن تدمير الآخر وسلبه ونهبه. كما تظهر عقلية التكيف البرجماتي والإذعان للواقع.

٥ ـ الحركية:

<<  <  ج: ص:  >  >>