لعل أهم هذه الآليات ثورة التطلعات المتزايدة، فهذه الثورة أساسها أن الإنسان مجموعة من الرغبات (المادية) التي لا تُشبَع وأن النمو مرتبط تماماً بهذا الافتراض. ومهمة هذه الثورة هو تصعيد توقعات الإنسان وتطلعاته وترشيده في اتجاه الإفصاح عنها من خلال قنوات مادية حتى لا يتطلع إلى الآخرة أو الروحانيات أو أية أمور مركبة أخرى غير خاضعة للقياس أو التحكم، ويظل تَطلُّعه متجهاً دائماً إلى تعظيم المنفعة واللذة من خلال الحصول على مزيد من السلع، وهي سلع لا يستطيع الحصول عليها إلا بمزيد من العمل وبذل الطاقة، أي أنه لابد أن يُحوسِّل نفسه، أي يتحول إلى إنسان وظيفي حركي غير منتج (مجرد) ينظم استهلاك نفسه ليُولِّد أكبر قدر من الطاقة يحصل مقابله على أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات حتى يمكنه إشباع رغباته. ولكن الرغبات متجددة متطورة (أو بالأحرى يتم تجديدها وتطويرها دائماً) . ولذا، يصبح التَحوسُل حالة نهائية ورؤية للكون، وتظهر التعاقدية والوظيفية والتَشيُّؤ. ويساعد على هذا أن ثورة التطلعات نفسها، من خلال آليات مختلفة، ولا سيما استخدام الدافع الجنسي، تحطِّم كل المؤسسات الوسيطة (مثل الكنيسة أو الأسرة الممتدة) التي تشجع التراحم والترابط، الأمر الذي يترك الفرد وحيداً أمام الدولة ووسائل الإعلام التي تُعمِّق عملية الحوسلة وتجعلها حالة نهائية مقبولة: جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة البشرية!