أنهم لم يكونوا يقنتون وأن بدء القنوت هو قنوت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو على رعل وذكوان فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت دائمًا لأن قوله في الحديث ذلك بدء القنوت مع قوله قنت شهرًا ثم تركه دليل على أنه إنما أراد بما أثبته من القنوت قنوت النوازل وهو الذي وقته بشهر، وعلى هذا يحمل ما تقدم من حديث أبي مالك الأشجعي وكذا الأحاديث التي فيها نفى القنوت مطلقًا.
قال في الهدى كان هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها ولم يكن يخصه بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من الطول ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة وللتنزل الإلهي ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته أو ملائكة الليل والنهار كما روى هذا في تفسير قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودًا.
وأما حديث ابن أبي فديك عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه فيها فيدعو بهذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت.
فما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحًا أو حسنًا، ولكن لا يحتج بعبد الله هذا وإن كان الحاكم صحح حديثه في القنوت عن أحمد بن عبد الله المزني، نعم يصح عن أبي هريرة أنه قال والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان أبوهريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار، ولا ريب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك ثم تركه، فأحب أبوهريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا عند النوازل وغيرها ويقولون هو منسوخ وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها وهم أشعر بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه ويقولون فعله سنة وتركه سنة ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفًا للسنة كما لا ينكرون على من تركه عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفًا للسنة بل من قنت فقد أحسن ومن تركه فقد أحسن.
وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه. وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه.
وكالخلاف في أنواع التشهدات وأنواع الأذان والإقامة وأنواع