انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر فيقال ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس فيقال لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين.
وقد جاء أن الأعمال تكون سببًا في نجاة المؤمن ففي رواية الطبراني الأوسط وابن حبان في صحيحه واللفظ له عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل، فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أدنت للغروب فيقال له أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ فيقول دعوني حتى أصلي فيقولون إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ قال فيقول محمَّد أشهد أنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورًا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسرورًا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدئ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير تعلق في شجرة الجنة فذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) الآية،
وإن الكافر إذا أتى من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتى عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتى عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتى من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس مرعوبًا خائفًا فيقال أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ فيقول أي رجل ولا يهتدى لاسمه؟ فيقال له محمد فيقول لا أدري سمعت الناس قالوا قولًا فقلت كما قال الناس فيقال له على ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورًا ثم يفتح له باب من الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يضيق عليه قبره حق تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله "فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى"