للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحركة، فإذا سمعته الطيور ترق له فتذهب فتلقي في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله وتوصل إلى أن جعله أجوف، فإذا دخلته الريح سمع منه صوت كصوت ذلك الطائر. وانقطع في صومعة ابتناها، وزعم أنها على قبر بعض صالحيهم، وعلق ذلك الطائر في مكان منها، فإذا كان زمان الزيتون فتح بابا من ناحيته فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة فيسمع صوتها كل طائر في شكله أيضًا، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئًا كثيرًا فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة ولا يدرون ما سببه. ففتنهم بذلك وأوهمهم أن هذا من كرامات صاحب ذلك القبر، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. انتهى كلام ابن كثير.

وذكر الرازي في هذه المسألة التي نقلها عنه ابن كثير: أن ذلك الطائر المذكور يسمى البراصل، وأن الذي عمل صورته يسمى أرجعيانوس الموسيقار، وأنه جعل ذلك على هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه، وأن الذي قام بعمارة ذلك الهيكل أولًا اسطرخس الناسك.

قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: وهذا النوع الخامس الذي عده الرازي من أنواع السحر، الذي هو الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية .. إلخ، لا ينبغي عده اليوم من أنواع السحر؛ لأن أسبابه صارت واضحة متعارفة عند الناس، بسبب تقدم العلم المادي. والواضح الذي صار عاديًا لا يدخل في حد السحر، وقد كانت أمور كثيرة خفية الأسباب فصارت اليوم ظاهرتها جدًا. والله تعالى أعلم.