للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وغني عن البيان أن الحكم على أيٍّ من الأوجه السابقة، متوقف بالدرجة الأولى على مدارسة مقامات الأحوال وسياقات الآيات على ما سيأتى بيانه، كما أن الذهاب إلى أن الوقتين يطلقان ويراد بهما الدوام كما يقال فعله صباحاً ومساءاً إذا داوم عليه - على ما قال به كثير من المفسرين في عديد من المواضع التي ورد فيها ذكر الآنين – لا يتماشى مع القول بالتخصيص (١) ، وأقصى ما يمكن القول به أنه إذا تسنى للملائكة ملازمة التسبيح على الدوام فإن بني البشر لا يمكنهم فعل ذلك لاحتياجهم إلى الأكل والشرب وتحصيل ذلك وما شابهه من ملبوس ومأكول ومركوب فكانت الإشارة بالتسبيح في تلك الأوقات التي إذا أتى العبد فيها بتسبيح الله كان كأنه لم يفتر، وهو إذا نزه ربه في أول النهار وآخره فإن الله تعالى مظهره في أوله وهو دنياه وفي آخرته وهو عقباه، وذلك لأن مريد العموم قد ينكر الطرفين ويفهم منهما الوسط كقوله عليه السلام: (لو أن أولكم وآخركم ولم يذكر وسطكم ففهم منه المبالغة في العموم.. وكذا الأمر بالنسبة للصلاة فإن العبد إذا صلى ركعتين حسب له صرف ساعتين من التسبيح وهكذا بالنسبة لسائر الصلوات التي يحصل له بأدائها صرف سبع عشرة ساعة فما بقي له وهو سبع ساعات هو ما بين نصف الليل وثلثيه، لأن ثلثيه ثمان ساعات ونصفه ست ساعات وما بينهما السبع وهذا القدر لو نامه الإنسان لكان كثيراً وإليه الإشارة بقوله: (قم الليل إلا قليلاً.. المزمل /٤) وزيادة القليل على النصف هي ساعة فيصير سبع ساعات مصروفة إلى النوم والنائم مرفوع عنه القلم، فيقول الله لملائكته عبدي صرف جميع أوقات تكليفه في تسبيحي فلم يبق لكم أيها الملائكة عليهم المزية إذا ادعيتم بقولكم: (ونحن نسبح نحمدك ونقدس لك.. البقرة /٣٠) على سبيل الانحصار بل هم مثلكم فمقامهم مثل مقامكم في أعلى عليين (٢) .


(١) لتنافيهما، وهذا من البداهة بمكان.
(٢) ينظر الرازي ١٢/ ٤٥٠، ٦٠١.

<<  <   >  >>