القرآن أوصافاً تدل على حدوثه ككونه مؤلفاً منظماً، وغير ذلك، لكن دلالتها على المقصود غير صريحة، فصرح بقوله:"أنشأه"، وأدخل بين البدل والمبدل قوله:(وما هي إلا صفات مبتدأ)، إلى آخره، معترضاً مؤكداً لما انتصب له من بيان مذهبه.
واعلم أن في أمثال هذا التبجح على نصرة مذهبه جسارة عظيمة على الكلام، ثم على المتكلم؛ إذ عظمه الكلام على قدر عظمة المتكلم، فكلام الله عظيم بعظمته، جليل بجلالته وكبريائه.
قال شيخنا شيخ الإسلام وسراج أهل الإيمان، أبو حفص السهروردي قدس الله سره:"كلام الله بعد ونأى بكنهه وغايته، وعظم شأنه، وقهر سلطانه، وسطوع نوره وضيائه.
مثاله من عالم الشهادة: الشمس التي ينفع الخلق شعاعها ووهجها؛ إذ لا قدرة للخلق أن تقرب من جرمها. فمن قائل بأن لا حرف ولا صوت؛ لما عظم عليه أن يحضر، ومن قائل: إنه حرف وصوت؛ لما عز عليه أن يغيب، ولكل وجهة هو موليها. فالسبيل الأمثل والطريق الأعدل- أيها الإخوان من الطائفتين- أن تتركا المنازعة والخوض فيما لم يشرع فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فاعملوا في تلاوة كتاب الله وتدبره والعمل بما فيه. والمنازعة في ذلك كمن يأتيهم كتاب من سلطان يأمرهم فيه وينهاهم، وهم يتشاجرون في أن الكتاب: كيف خطه، وكيف عبارته، وأي شيء فيه من صنعة الفصاحة والبلاغة؟ ويذهلون عن صرف الهمم إلى الانتداب لما ندبوا إليه".