قال: رسول الله. قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنا أصمّ. فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أما الأوّل فقد أخذ برخصة الله. وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له»(ذلِكَ) إشارة إلى الوعيد، وأنّ الغضب والعذاب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة، واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم، (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ): الكاملون في الغفلة، الذين لا أحد أغفل منهم، لأنّ الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها.
قوله:(واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم)، جعل سبب وعيد من شرح بالكفر صدراً - وهم الذين ارتدوا بعدما دخلوا في الإسلام - شيئين؛ أحدهما: استحباب الحياة الدنيا على الآخرة، وفيه إشارة إلى فضل ما فعل أبو عمار على عمار. وثانيهما: استحقاق خذلان الله بكفرهم، وإنما علل الخذلان بالكفر؛ لأن قوله:(لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) من وضع المظهر موضع المضمر للعلية.
ثم آذن بأنهم أحقاء بأن يطبع على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم لذلك الوصفين بقوله:(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ)، وتمم بقوله:(وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ)، واللام للجنس، ليفيد ما قال:"أولئك هم الكاملون في الغفلة"، أي: إن تصور حقيقة الغافلين، فهم لا يعدون تلك الحقيقة، ومن ثم قال:"الذين لا أحد أغفل منهم، ثم لما أراد أن يبين البون بين الفريقين والبُعد بين المرتبتين، أعني: الثابتين على الإسلام، والناكصين عنه، قيل:(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا) الآية، وإليه الإشارة بقوله: "دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك".
وقوبل تلك التوكيدات السابقة بمجرد اللام في قوله:(لِلَّذِينَ هَاجَرُوا) حيث أوقعه خبراً لـ "إن"، على ما قال: "إنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم"، يدل على المقابلة تفسير المؤلف قوله:(وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) بقوله: "واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم"، ووضع المظهر موضع المضمر في المتقابلين؛ لأن قوله:(لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا) وُضع موضع الراجع إلى قوله: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)، ففي الآيات جمعٌ مع التقسيم والتفريق، فالجمع: