(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ) دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك، وهم عمار وأصحابه. ومعنى: إنّ ربك لهم، أنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوّهم وخاذلهم، كما يكون الملك الرجل لا عليه، فيكون محمياً منفوعاً غير مضرور. (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) بالعذاب والإكراه على الكفر.
وقرئ:(فُتِنُوا) على البناء للفاعل، أي: بعد ما عذبوا المؤمنين، .....
قوله:(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ)، والتقسيم:(إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ)، (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً)، والتفريق:(وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي)، و (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا)، والله أعلم بمراده من كلامه.
ونحن إنما ساعدنا تفسيره (لا يَهْدِي) بالخذلان، وتعليله بالكفر، ليقابله قوله:(لِلَّذِينَ هَاجَرُوا) إلى قوله: (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)؛ لأن الغفران مقابل للخذلان؛ لأنا نثبت للعبد أيضاً قدرة تميز بين الفعل الاختياري والقسري لتقوم حجة الله على عباده، وعُلم من مفهوم كلامه أن قوله:(ِلَّذِينَ هَاجَرُوا): خبرُ "إن"، والمقدر نحو ناصرٌ وولي للذين هاجروا، لقرينة قوله: خذلان الله بكفرهم، لأنه مقابل له، كما سبق.
وقال أبو البقاء: خبر "إن": (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، و"إن" الثانية واسمها: تكرير للتوكيد، ومثله في هذه السورة:(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)[النحل: ١١٩] الآية. وقيل: خبره محذوف؛ لأن خبر الثانية أغنى عن ذلك.
قوله: (وقرئ: "فتنوا"، على البناء للفاعل)، قرأها ابن عامر.