للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهنّ لترتجى. وروى: "الغرانقة"، ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه. وقيل: نبهه جبريل عليه السلام. أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء، زاد المنافقون به شكا وظلمة، والمؤمنون نورا وإيقانا. والمعنى: أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت، مكن الله الشيطان ليلقى في أمانيهم مثل ما ألقى في أمنيتك، إرادة امتحان من حولهم، والله سبحانه له أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التمني كالمبدأ للكذب فصح أن يُعبر عن الكذب بالتمني، وعلى ذلك ما رُوي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: "ما تغنيتُ ولا تمنيتُ منذ أسلمتُ"، وقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ) [البقرة: ٧٨] قال مجاهدٌ رضي الله عنه: معناه: إلا كذباً. وقال غيره: إلا تلاوة مجردة عن المعرفة من حيث إن التلاوة بلا معرفة معنى تجري عند صاحبها مجرى أمنيةٍ تمنتها النفسُ على التخمين، وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي: في تلاوته.

وقد تقدم أن التمني كما يكون عن تخمين وظن، فقد يكونُ عن رؤية وبناءٍ على أصل، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه: ١١٤]، سمى تلاوته على ذلك تمنياً، ونبه أن للشيطان على مثله تسلطاً في أمنيته، وذلك من حيث بين أن العجلة من الشيطان.

قوله: (تلك الغرانيقُ)، النهاية: الغرانيقُ هاهنا الأصنام، وهي في الأصل: الذكور من طير الماء، واحدها غرنوقٌ وغرنيقٌ، وسمي به لبياضه، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم إلى الله تعالى، وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>