للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: كيف طابق ذكر "العفوّ الغفور" هذا الموضع؟ قلت: المعاقب مبعوث من جهة الله عزّ وجلّ على الإخلال بالعقاب، والعفو عن الجاني - على طريق التنزيه لا التحريم - ومندوب إليه، ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وملك سبيل التنزيه، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب، ولم ينظر في قوله تعالى (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)] الشورى: ٤٠ [، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)] التقوى: ٢٣٧ [، (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: ٤٣].

(فإنّ الله لعفو غفور)، أى: لا يلومه على ترك ما بعثه عليه، وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه. ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي، ويعرّض مع ذلك بما كان أولى به من العفو، ويلوّح به بذكر هاتين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (المعاقِبُ مبعوثٌ)، بكسر القاف، أي: موصى بالعفو. الأساس: بعثهُ على الأمر، وتواصوا بالخير، وتباعثوا عليه، يعني: حمله الله تعالى على العفو، وندبه إليه، فحين ترك المندوب إليه كأنه مذنبٌ، لكنه تعالى لا يأخذه به؛ لأنه عفوٌّ غفور.

قوله: (فـ (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) جوابٌ لقوله: "فحين لم يؤثر ذلك"، وهذا يؤذنُ أن قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) خبرُ "من عاقب"، وفي الكلام تقديمٌ وتأخير، أي: من عاقب بمثل ما عوقب به إن الله لعفوٌ غفور، أي: لا يلومه على ترك الأفضل، ثم إذا بُغي عليه أي: على المظلوم المعاقب في الكرة الثانية لينصرفه الله على الظالم.

قوله: (من إخلاله)، قيل: هو بيان "ما بعثه"، وقيل: هو متعلقٌ بـ"الثانية"؛ أي: أنه أخل بالعفو كرتين، فهذه الكرةُ هي الكرةُ الثانيةُ من إخلاله بالعفو، وليس بشيء، وقيل: هو متعلقٌ بقوله: لعفوٌ، أي: لعفوٌّ من إخلاله: ويجوزُ أن يكون بياناً لقوله: "ترك ما بعثه عليه" أي: لا يلومه على إخلاله بالعفو.

قوله: (ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي، ويُعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو)، أي: يكون (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ) متصلاً بقوله: (لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ) على بيان

<<  <  ج: ص:  >  >>