لما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وإبراز ما أودعت فيكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة، أو ائتيا في الموجود، على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب في المرتبة، أو للإخبار، ومعنى {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده، لا إثبات الطوع والكره لهما. ومعنى {أَتَيْنا طائِعِينَ} الأظهر أنه تصوير تأثير قدرته فيهما، وتأثرهما بالذات عنها، وتمثيلهما بأمر المطاع الطائع، كقوله:{كُنْ فَيَكُونَ}[البقرة: ١١٧].
وقلت: يرد على تأويل الإمام إشكالان: أحدهما: ترتب الفاء في قوله: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فإنه يوجب أنه تعالى بعدما خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام استوى إلى خلق السماوات فقضاهن في يومين تكملة للعدد المذكور في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}[السجدة: ٤]. وثانيهما: تأويله "خلق الأرض في يومين" بـ"قدر" لا يساعد عليه عطف "وجعل فيها""وقدر فيها" لأن كلًا من ذلك فعل خاص.
والظاهر - والعلم عند الله-: أن "ثم" للتراخي في المرتبة، كما سبق في "البقرة" عن المصنف في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}[البقرة: 29] ترقيًا من الأدنى إلى الأعلى؛ لأن الكلام مع المعاندين المتمردين، كما ترقى الخليل عليه السلام مع قومه في الأخذ من الكواكب إلى القمر ثم الشمس، وختم الكلام بقوله:{يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 78] ألا ترى إلى أنه تعالى لما ختم الكلام قال: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} والمعنى: أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض وفعل كذا وكذا، وأعظم من ذلك أنه استوى- أي: قصد إلى خلق السماء- وهي شيء حقير ظلماني كالدخان- {فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ * فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}، وكان الأصل: فقضاهن سبع سماوات في يومين، وخلق الأرض في يومين، وجعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها الآية {ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فقدم وأخر