للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووجدتا كما أرادهما، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل. ويجوز أن يكون تخييلًا ويبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماء والأرض، وقال لهما: ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه، فقالتا: أتينا على الطوع لا على الكره. والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير، من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب. ونحوه قول القائل: قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال الوتد: اسأل من يدقني، فلم يتركني، ورائي الحجر الذي ورائي. فإن قلت، لم ذكر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لتلك النكتة، ثم قال: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} أي: فإن أعرضتم بعدما تتلى عليكم هذه الحجج على الوحدانية والقدرة التامة فكنتم محجوبين، فيترتب العذاب عليكم كما فعل بأشياعكم من قبل، وفيه التفات. وهذا التأويل موافق لما نقل الواحدي عن مقاتل، ولما قال القاضي، أو الترتيب في المرتبة أو الإخبار، والله أعلم.

قوله: (ويجوز أن يكون تخييلًا) يعني إثبات المقاولة مع السماء والأرض يمكن أن يكون من الاستعارة التمثيلية كما سبق، ويجوز أن يكون من الاستعارة التخييلية بعد أن تكون الاستعارة في ذاتها مكنية كما تقول: نطقت الحال، بدل "دلت" فتجعل الحال كالإنسان الذي يتكلم في الدلالة والبرهان، ثم تتخيل له النطق الذي هو من لازم المشبه به وينسب إليه. وأما بيان الاستعارة التمثيلية فهو انه لما شبه فيه حالة السماء والأرض والمقاولة بينهما وبين فاطرهما في إرادة تكوينهما أو إيجادهما بحالة آمر ذي جبروت له نفاذ في سلطانه وإطاعة من تحت ملكه من غير ريب. والأوجه أن يراد بقوله: "تخييلًا" تصويرًا لقدرته وعظمة سلطانه، وأن القصد في التركيب إلى أخذ الزبدة والخلاصة من المجموع على سبيل الكناية الإيمائية من غير نظر إلى مفرداته كما سبق في قوله: {والأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: ٦٧] ويعضده قوله: من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب.

قوله: (فلم يتركني، ورائي) الواو في "ورائي" الأول بمعنى "مع"، "ورائي" الأول:

<<  <  ج: ص:  >  >>