الأرض مع السماء وانتظمها في الأمر بالإتيان، والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين؟ قلت: قد خلق جرم الأرض أولًا غير مدحوّة، ثم دحاها بعد خلق السماء، كما قال:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها}[النازعات: ٣٠]، فالمعنى: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، ائتي يا أرض مدحوّة قرارًا ومهادًا لأهلك، وائتي يا سماء مقببة سقفًا لهم. ومعنى الإتيان: الحصول والوقوع، كما تقول: أتى عمله مرضيًا، وجاء مقبولًا. ويجوز أن يكون المعنى: لتأت كل واحدة منكما صاحبتها الإتيان الذي أريده وتقتضيه الحكمة والتدبير؛ من كون الأرض قرارًا للسماء، وكون السماء سقفًا للأرض. وتنصره قراءة من قرأ:(آتيا)، و (آتينا) من المواتاة؛ وهي الموافقة، أي: لتؤات كل واحدة أختها ولتوافقها. قالتا: وافقنا وساعدنا. ويحتمل: وافقا أمري ومشيئتي ولا تمتنعا. فإن قلت: ما معنى: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}؟ قلت: هو مثل للزوم تأثير قدرته فيهما، وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال، كما يقول الجبار لمن تحت يده:
بمعنى النظر والرأي، والواو في "ورائي" الثاني عاطفة، و"ورائي" بمعنى خلفي.
قوله:(ويجوز أن يكون المعنى) عطف على قوله: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف وعليه كلام القاضي: ائتيا لما خلقت فيكما من التأثير والتأثر.
قوله:(قراءة من قرأ: (آتيا)، و (آتينا) من المواتاة) قال ابن جني: قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: "آتينا طائعين" بالمد من "فاعلنا" نحو سارعنا وسابقنا، ولا يكون أفعلنا؛ لأن ذلك متعد إلى مفعولين، و"فاعلنا" متعد إلى واحد، وحذف الواحد أسهل، ولما في "سارعنا" من معنى "أسرعنا".
قوله:(من المواتاة؛ وهي الموافقة)، الجوهري: يقال: أتيته على ذلك الأمر مواتاة؛ إذا وافقته وطاوعته.