اسْتَقامُوا} إشارة إلى هذه المرتبة، فإذا فرغ من هذه الدرجة اشتغل بتكميل الناقصين، وهو فوق التام، فقوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا} إشارة إلى هذه المرتبة، واعلم أن من آتاه الله عز وجل قريحة وقادة ونصابًا وافيًا من العلوم الإلهية الكثيفة عرف أن لا ترتيب أحسن وأكمل من ترتيب آي القرآن.
وقلت: فعلى هذا ينبغي أن يكون قوله: {وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} جامعًا للمعاني السابقة، ولا يكون محصورًا في القول المجرد لمجيئه على طريقة التذييل، وعلى أسلوب قولك: زيد من العلماء، أي: له مساهمة معهم في هذا الوصف، والعلم له كاللقب المشهور، فكأنه قال: إنني لمن الذين لهم القدح المعلى في التسليم والتفويض.
الراغب: الإسلام في الشريعة ضربان: أحدهما: دون الإيمان، وإياه عنى بقوله:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الأحزاب: ١٤]؛ والثاني: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستسلام في جميع ما قضى وقدر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: ١٣١].
قوله:(هذا قول أبي حنيفة) يريد: مذهبه. النهاية: منه الحديث: "لما أراد أن يعتكف ورأى الأخبية في المسجد فقال: آلبر تقوقون بهن؟ "، أي: أتظنون وترون أنهن أردن البر؟
ومنه:"سبحان الذي تعطف بالعز وقال به"، أي: أحبه واختصه لنفسه، كما يقال: فلان يقول بفلان، أي: بمحبته واختصاص، وقيل: معناه: حكم به، فإن القول يستعمل في معنى الحكم. وقال الأزهري: معناه: غلب به، وأصله من قبل الملك؛ لأنه ينفذ قوله.