يعني: أنّ الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ الحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك. ومثال ذلك: رجل أساء إليك إساءة، فالحسنة: أن تعفو عنه، والتي هي أحسن: أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك فتمدحه، ويقتل ولدك فتفتدى ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقّ مثل الولي الحميم مصافاة لك. ثم قال: وما يلقى هذه الخليقة أو السجية -التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان- إلا أهل الصبر، وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير. فإن قلت: فهلا قيل: فادفع بالتي هي أحسن؟ قلت: هو على تقدير قائل قال: فكيف أصنع؟ فقيل: ادفع بالتي
قوله:(عدوك المشاق)، أي: المخالف الذي أخ في شق وأنت في شق. الجوهري: المشاقة والشقاق؛ الخلاف والعداوة.
قوله:(فهلا قيل: فادفع بالتي هي أحسن؟ ) السؤال وارد على تفسيره السابق، وقوله:" إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك" يعني: حين أعلمناك بتفاوت الحسنتين إذا وردت عليك سيئة من بعض أعدائك فادفعها بإحدى الحسنتين، وهي التي أحسن، لأنك من أولي العزم وصاحب الخلق العظيم، فالفاء لازمة الترتب، فلم تركها؟ وأجاب بأن الترتيب موكول إلى الذهن الذي هو أقوى الدليلين، وترك الوصل إلى الفصل للاستئناف، وتقدير سؤال السائل، فـ {أَحْسَنُ} على هذا على حقيقته، وقوله:"وقيل "لا" مزيدة" عطف على قوله: "إن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما"، والمعنى: أن بين الحسنة والسيئة بونًا بعيدًا، ولا يكن اختيارك إلا الحسنة، فعدل إلى الحسن للمبالغة؛ لأنه على الوجه الأول وقعت الموازنة بين الحسنتين وبين السيئتين. وفي الثاني بين الحسنة والسيئة.
فإن قلت: قد علم بما تقرر الموازنة بين الحسنتين، فما معنى الموازنة بين السيئتين؟ قلت: