وقرئ:{وَالْهَدْيَ} و"الهدي" بتخفيف الياء وتشديدها، وهو ما يهدى إلى الكعبة، بالنصب عطفًا على الضمير المنصوب في {صَدُّوكُمْ}، أي: صدّوكم وصدّوا الهدي، وبالجر عطفًا على {الْمَسْجِدِ الحَرَامِ}، بمعنى: وصدّوكم عن نحر الهدي، {مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} محبوسًا عن {أَن يَبْلُغَ}، وبالرفع على: وصدّ الهدي.
و{مَحِلَّهُ}: مكانه الذي يحل فيه نحره، أي يجب، وهذا دليل لأبي حنيفة على أن المحصر محل هديه الحرم. فإن قلت: فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وإنما نحر هديهم بالحديبية؟ قلت: بعض الحديبية من الحرم، وروي: أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل، ومصلاه في الحرم. فإن قلت: فإذن قد نحر في الحرم، فلم قيل:{مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}؟ قلت: المراد: المحل المعهود، وهو منى.
قوله:(يحل فيه نحره، أي: يجب): "يجب": من الوقوع، لا من الوجوب، قال تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}[الحج: ٣٦]، روي عن المصنف:"محل الهدي: مكان حلوله، أي: وجوبه ووقوعه، ومحل الدين: وقت حلوله، أي: وجوبه ووقوعه".
قوله:(فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم): هذا السؤال وراد على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وعند الشافعي رضي الله عنه: محل الهدي حيث أحصر، وقد مر تحقيقه في سورة البقرة.
قوله:(مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم): المغرب: "ضرب الخيمة، وهو المضرب للقبة، بفتح الميم وكسر الراء، ومنه: كانت مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل، ومصلاه في الحرم".