يشهد له قوله:{قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ}[ق: ٢٧]، {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} هذا شيء لديّ وفي ملكتي عتيد لجهنم، والمعنى: أن ملكًا يسوقه، وآخر يشهد عليه، وشيطانًا مقرونًا به، يقول: قد أعتدته لجهنم وهيأته لها بإغوائى وإضلالي.
فإن قلت: كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت: إن جعلت {مَا} موصوفة،
قوله:(يشهد له قوله: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ}): يعني: الذي يدل على أن "القرين" هو الشيطان: هذه الآية، وفيه نظر؛ لأن القرين الأول حين قال: هذا ما أعتدته لجهنم، وهيأته لها، بإغوائي وإضلالي_ كما قال_، كيف يقول:{رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ}؟ ولذلك قال الواحدي:"القرين الأول: الملك الذي كان يكتب عمله السيئ في الدنيا، يقول لربه: وكلتني به، وقد أحضرته، وهو قوله:{هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}، يعني: الشخص الذي أتى به، و"ما" بمعنى "من"، والقرين الثاني: الشيطان"، وله أن يقول: أن الشيطان حين رأى ملكًا يسرق الكافر، وآخر يشهد عليه، قال ذلك القول، فلما سمع خطاب الله عز وجل:{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}، وقوله:{فَأَلْقِيَاهُ فِي العَذَابِ الشَّدِيدِ} تبرأ منه وكذب.
قوله:(إن جعلت {مَا} موصوفة): بمعنى: شيء، و {عَتِيدٌ} صفة لها أو موصولة، و {لَدَيَّ} صلتها، و {عَتِيدٌ} بدل من الموصولة، ولإبهامها جاز إبدال النكرة منها، قال أبو البقاء:" {هَذَا} مبتدأ، وفي {مَا} وجهان: أحدهما: أنها نكرة، و {عَتِيدٌ} صفتها، و {لَدَيَّ} معمول {عَتِيدٌ}، ويجوز أن يكون {لَدَيَّ} صفة أيضًا، فيتعلق بمحذوف، وتكون {مَا لَدَيَّ} خبر {هَذَا}. والثاني: أن تكون {مَا} موصولة، و {لَدَيَّ} صلتها، و {عَتِيدٌ} خبر {مَا}، والجملة خبر {هَذَا}، ويجوز أن تكون {مَا} بدلًا من {هَذَا}، ويجوز أن يكون {عَتِيدٌ} خبر مبتدأ محذوف، ويكون {مَا لَدَيَّ} خبرًا عن {هَذَا}، أي: هو عتيد، ولو جاء ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال".