فإن قلت: قدرت في {أَلا يَعْلَمُ} مفعولا؛ على معنى: ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان {مَنْ خَلَقَ}، فعلا جعلته مثل قولهم: هو يعطي ويمنع؛ وهلا كان المعنى: ألا يكون عالما من هو خالق؛ لأن الخلق لا يصح إلا مع العلم؟
قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله: {وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، لأنك لو قلت: ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخبير، لم يكن معنى صحيحا؛ لأن {أَلا يَعْلَمُ} معتمد على الحال، والشيء لا يوقت بنفسه، فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء.
قوله:(والشيء لا يوقت بنفسه)، أي: المطلق لا يقيد بمطلق مثله، لأن الحال تقييد للفعل المطلق، قال صاحب "التقريب": وفيه نظر، لأن {اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} أخص من العالم على ما فسره، فيكون التقدير: ألا يكون له أصل العلم وهو ينفذ علمه في الظاهر والباطن من خلقه، بل وجه المنع أن ليس الغرض إثبات أصل العلم لأنهم لم ينكروه، بل علمه بما أسروه، فلا بد من تقدير مفعول، ويدل عليه سبب النزول.
وقلت: نظر صاحب "التقريب" أن اللطيف الخبير أخص من العالم على ما فسره بعيد، لأن قوله:"المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن" شامل للمعلومات كلها مفهومًا وازدواجًا على نحو: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فإن الخبير مثل الرحمن، واللطيف مثل الرحيم، لأن العلم المطلق شائع في جنسه، فتكون دلالته على أفراد الجنس، مثل دلالة لام الاستغراق، فيدخل فيه ما دل عليه {اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}.
قال صاحب "المفتاح" في الحالة المقتضية في ترك المفعول: "والقصد إلى نفس الفعل، [بـ] تنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابًا في نحو: فلان يعطي، إلي معنى: يفعل الإعطاء، أي: