يعني: إن لفظي الإباحة والجواز قد ترادفا عند بعضهم على معنى هو مطلق الإذن في الفعل، فعلى هذا يدخل فيهما المخير فيه والمندوب والواجب وتكون الأحكام اثنين باعتبار المنهي والمأذون فيه.
والعلم والوسع على المعروف ... شرط يعم كل ذي تكليف
يعني: إن الخطاب على قسمين خطاب وضع لا يشترط في أكثره علم المخاطب ولا قدرته، وخطاب تكليف يشترط في جوازه ذلك. فالغافل والساهي والنائم غير ملكفين عن الأكثر. وجوزه قوم، والقولان عن الأشعري بناء على أنها مانعة من الوجوب والأداء، وجه الأول أن الذي يطلب بالتكليف قصد إيقاع الفعل المأمور به على وجه الامتثال وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به والغافل ومن في حكمه لا يعلم ذلك فيمتنع تكليفه، وإن وجب عليه بعد يقظته ضمان ما أتلفه من المال وقضاء ما فاته من الصلاة غافلًا لوجود سببيهما ودليل اشتراط العلم في التكليف قوله تعالى ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)) وقوله تعالى ((مبشرين ومنذرين ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)) والفرق بين التكليف المحال كما هنا والتكليف بالمحال الآتي في الملجأ والمكره هو كما قال ابن العربي: إن الأول الخلل فيه من جهة المأمور، والثاني من جهة المأمور به. وما ذكره عياض في الشفاء من الاتفاق على خروج الساهي والنائم عن حكم التكليف، وقول ابن الحاجب في المنتهى المخطئ غير مكلف اتفاقًا، قال حلولوا: إنما ذلك في عدم المواخذة بالإثم.
(واعلم) إن الشأن عند أهل الأصول أن يتكلموا أولًا في المسألة على الجواز العقلي فإن امتنع الشيء عقلًا علم ضرورة امتناع وقوعه، وإن جاز عقلًا نظروا بعد ذلك هل وقع في الشرع أو لا؟ فإذا قال في الأصولي: يجوز ذلك أو يمتنع فإنما مراده في العقل، وكذلك يشترط في خطاب التكليف القدرة على المكلف به فالعاجز عن شيء غير مكلف بفعله لقوله تعالى ((لا يكلف الله نفسًا إلى وسعها)) أي طاقتها فلا يجوز تكليف الملجأ وهو من لا مندوحة له عما ألجئ إليه كالملقى من شاهق جبل على شخص يقتله يمتنع تكليفه بالملجأ إليه أو بنقيضه لعدم