للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: مناظرة أبي الولد الباجي لابن حزم الظاهري:

قدم أبو الوليد الباجي إلى موطنه بالأندلس وعنده زاد كافٍ في علم الجدل وآدابه وعلم الشريعة والأصول والعقليات، فضلًا عما كان يتمتع به من قدرات فكرية عالية تؤهله للدخول في مناظرات علمية تكشف للناس الحق وتساعدهم على فهم الحقيقة، وكان الباجي أثناء تنقلاته قد خاض العديد من المجادلات العلمية مع خصوم له سواء في (مرسية) مع أبي حفص عمر بن حسين الهوزني كبير فقهاء إشبيلية (١)، أو (بالدانية) أو (ميورقة) وغيرها من مدن الأندلس، فأقام عليهم الحجة، وأثبت البينة وعزَّزَ الدليل بما حباه الله من إمكانيات فكرية وعلمية تساعده على ذلك، فاكتسب سمعة كبيرة بين العلماء ورجال العلم، الأمر الذي دعاهم إلى الإلحاح عليه لمقابلة أبي محمد ابن حزم (٢) الذي لمع نجمه بالأندلس، عرف فضله وتفوقه العلمي، لما كان يتمتع به من غزارة علم، وقوة ذاكرة، وكثرة إنتاج فكريٍّ في مختلف العلوم والفنون مع تشنيعه على الأئمة وأهل الفضل، فأفرط في القول بظاهر النصوص، وأنكر القياس وتعليل الأحكام وغيرها من ظاهريات أشاعها في ربوع الأندلس، وحصَّنها بقوة بيانه وحماها بحدَّة لسانه، ولم يكن يقوم أحد بمناظرته لجهلهم بعلم الجدل والمناظرة فاستهوى قلوب الناس وأخذ عقولهم، فاغتر بأقواله العامة، وسلَّم الكلام له الخاصة على اعترافهم بتخليطه (٣).

ولما انتدب العلماء أبا الوليد لمناظرته، لبَّى الدعوة وقبلها بعدما عرف من أحواله الكثير، إرادةً منه أن تكون هذه المناظرة سبيلًا لوقف انتشار المذهب الظاهري، ورغبة في ردِّ الاعتبار للأئمة الفضلاء الذين كانوا غَرَضًا للسان ابن حزم.


(١) انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض: ٢/ ٨٢٥ - ٨٢٦.
(٢) تقدمت ترجمته انظر ص: ٧٥.
(٣) ترتيب المدارلك للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٥.

<<  <   >  >>