للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ب- التشخيص في الصورة:

يرى العقاد أن التشخيص أقوى ألوان الخيال في الصورة، فهو يزيده حيوية وخلودًا، وملكة التشخيص لا تقل عن ملكة التصوير جلالًا وروعة في آيات الفن الرفيع. فهي الملكة المصورة التي تستمد قدرتها من سعة الشعور حينًا، أو من دقة الشعر حينًا آخر، فالشعور الراسخ هو الذي يستوعب كل ما في الأرضين والسماوات من الأجسام والمعاني، فإذا هي حية كلها ... وليست هي صلة لفظية تلجئنا إليها لوازم التعبير، ويوحيها إلينا تداعي الفكر وتسلسل الخواطر، ويمثل لذلك بأمثلة كثيرة منها هذا البيت لابن الرومي:-

أمت وديك عبطة فمه ... دعه على رسله يمت هرما

فالود كائن حي يعالجه القتل، أو يترك إلى الهرم فيموت١.

والتشخيص هو أرقى أنواع الخيال، وصورته إنسانية من أقوى أنواع الصور فهو يجسد المعنى ويبعث الحياة في الصلب الجامد، ويوجد الرموز للمحسوسات، ويجسم الأفكار، التي تتخايل من وراء الصور، وتقوم الحيوية فيه مقام البرهان العقلي وهو الدليل الوجداني الناطق الذي لا يعرفه إلا الشعور، وغيرها من خصائص التشخيص الذي يقول فيه العقاد هو: "خلق الأشكال للمعاني المجردة أو خلق الرموز لبعض الأشكال المحسوسة"٢.

والتشخيص يعتمد على دعائم أساسية في حيويته، وفي اللون والشكل والحركة، مما يزيد الصورة الأدبية روعة وسحرًا.


١ المرجع السابق: ٣٠٦.
٢ الديوان المخطوط ورقة ج٤.

<<  <   >  >>