للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ابن طباطبا والصورة الأدبية:

ويؤيد ابن طباطبا١ ما جاء به بشر بن المعتمر في صحيفته المشهورة فيقول: "إذا أراد الشاعر بناء قصيدة، فحضر المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرًا أو أعد له ما يلبسه إياه، من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي سلس له القول عليه، فإذا اتفق له بيت، يشاكل المعنى الذي يرومه، ابتدأ وعمل فكره في شغل القوافي، بما تقتضيه من المعاني، على غير تنسيق للشعر، وترتيب لفنون القول فيه، بل يعلق كل بيت، يتفق له نظمه، على تفاوت ما بينه وبين ما قبله فإذا أكملت له المعاني وكثرت الأبيات، وفق بينها بأبيات تكون نظامًا لها، وسلكًا جامعًا لما تشقت منها، ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه، ونتجته فكرته، فيستقصى انتقاده، ويرم ما وهي منه، ويبدل بكل لفظه مستكرهة، لفظة سهلة نقية، وإذا اتفق له قافية قد شغلها في معنى من المعاني، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول، وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني، منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المختار، الذي هو أحسن، وأبطل ذلك البيت، أو نقض بعضه، وطلب لمعناه قافية تشاكله، ويكون كالنساج الحاذق، الذي يفوف وشيه بأحسن التفويف ويسديه. ولا يهلهل شيئًا منه فيشينه، وكالنقاش الدقيق الذي يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه، ويشبع كل صبغ منها، حتى يتضاعف حسنه في العيان، وكناظم الجواهر، الذي يؤلف بين النفيس منها، والثمين الرايق ولا يشين عقوده، بأن يفاوت بين جواهرها في نظمها وتنسيقها، وكذلك الشاعر إذا أسس شعره على أن يأتي فيه بالكلام البدوي والفصيح، لم يخلط به الحضري المولد، وإذا أتى بلفظة غريبة أتبعها أخواتها٢".


١ هو محمد بن أحمد بن طباطبا المتوفى سنة ٣٢٢هـ.
٢ عيار الشعر: ابن طباطبا ص ٢٣ في القاهرة ١٩٥٦م.

<<  <   >  >>