فيتجلى من هذه الآيات الكريمة أمور عديدة منها أن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن الألوهية قد توزعت فيما بينهم، فليس فوقهم إله قاهر، بل كان لديهم تصور واضح لإله قاهر كانوا يعبرون عنه بكلمة (الله) في لغتهم. وكانت عقيدتهم الحقيقة في شأن سائر الآلهة أن لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في ألوهية ذلك الإله الأعلى، وأن كلمتهم تُتَلقى عنده بالقبول وأنه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم ونستدر النفع ونتجنب المضار باستشفاعهم. ولمثل هذه الظنون كانوا يتخذونهم أيضاً آلهة مع الله تعالى. ومن هنا يتبين أن الإنسان عن اتخذ أحداً شافعاً له عند الله ثم أصبح يدعوه ويستعين به ويقوم بآداب التبجيل والتعظيم ويقدم له القربات والنذور، فكل ذلك على ما اصطلح عليه أهل الجاهلية اتخاذه إياه إلهاً. (١)
٤- (وقال الله: لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحدٌ فإياي فارهبون)(النحل: ٥١)
(ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً)(الأنعام: ٨٠)
(إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)(هود: ٥٤)
(١) ومما يجب أن يعرفه القارئ في هذا المقام أن الشفاعة قسمان: شفاعة يكون من ورائها نوع من أنواع القوة والنفوذ، ويأبى الشافع إلا أن تقبل شفاعته. وشفاعة لا تقدم إلى المشفوع إليه غلا كما تقدم العرائض تذللاً وتخشعاً، لا يكون من ورائها نصر على أن تقبل في كل حال. فأما من ظن أحداً شافعاً عند الله بالمعنى الأول فلا شك أنه قد اتخذه إلهاً وأشركه بالله تعالى في الألوهية. وهذه هي الشفاعة التي يرفضها القرآن ويبطلها، وأما الشفاعة بالمعنى الثاني فيجوز أن يكون كل من الأنبياء والملائكة والصالحين والمؤمنين وعامة العباد شافعين بهذا المعنى إلى الله تعلل فيمن سواه من عباده، ولله جل شأنه أن يقبل شفاعتهم أو لا يقبلها.