ومن الظاهر البيّن أنه لابد لمن أراد أن يدرس القرآن ويسبر غور معانيه، أن يتفهم المعاني الصحيحة لكل من هذه الكلمات الأربع ويتلقى مفهومها الكامل الشامل، فإذا كان الإنسان لا يعرف ما الإله، وما معنى الرب، وما العبادة، وما تطلق عليه كلمة الدين فلا جرم، أن القرآن كله سيعود في نظره كلاماً مهملاً لا يفهم من معانيه شيء. فلا يقدر أن يعرف حقيقة التوحيد، أو يتفطن إلى ماهية الشرك، ولا يستطيع ان يخص عبادته بالله سبحانه أو يخلص دينه له. وكذلك إذا كان مفهوم تلك المصطلحات غامضاً متشابهاً في ذهن الرجل وكانت معرفته بمعانيها ناقصة فلا شك أنه يلتبس عليه كل ما جاء به القرآن من الهدى والإرشاد، وتبقى عقيدته وأعماله كلها ناقصة مع كونه مؤمناً بالقرآن. فإنه لن ينفك يلهج بكلمة لا إله إلا الله ويتخذ مع ذلك آلهة متعددة من دون الله. ولن يبرح يعلن أنه لا رب إلا الله ثم يكون مطيعاً لأرباب من دون الله في واقع الأمر. إنه يجهر بكل صدق وإخلاص بأنه لا يعبد إلا الله تعالى ولا يخضع إلا له، ولكنه مع ذلك يكون عاكفاً على عبادة آلهة كثيرة من دون الله. وكذلك يصرح بكل شدة وقوة أنه في حظيرة دين الله وكنفه وإن قام أحد يعزوه إلى دين آخر غير الإسلام هجم عليه وناصبه الحرب؛ ولكنه يبقى مع ذلك متعلقاً بأذيال متعددة ولا شك أنه لا يدعو أحداً غير الله تعالى ولا يسميه بالإله أو الرب بلسانه، لكن تكون له آلهة كثيرة وأرباب متعددة من حيث المعاني التي وضعت لها هاتان الكلمتان، والمسكين لا يشعر أصلاً أنه قد أشرك بالله آلهة وأرباباً أخرى وغذ نبّهته إلى أنه عابد لغير الله ومقترفٌ للشرك في الدين، لانقض عليك يخمش وجهك، إلا أنه يكون عابداً لغير الله حقاً وداخلاً في غير دينه بدون ريب من حيث مغزى (العبادة) و (الدين) وهو لا يدري مع كل ذلك أن الأعمال التي يرتكبها هي في حقيقة الأمر عبادة لغير الله وأن الحالة التي قد سقط فيها هي نفس الأمر دينٌ ما