قد كان لي في ما ممضى عبرة ... لو أن عقلا لي لم يعزب
"
٢١٣ - أخبرنا أبو الحسن بْن الجوالقي في كتابه، قَالَ: أنبأنا أَحْمَد بْن علي بْن عبد اللَّه الخزاز، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن بحر الجنديسابوري، حَدَّثَنَا عمر بْن مُحَمَّد بْن عبد الحكم، حَدَّثَنَا عمر بْن مُحَمَّد بْن حفص بْن الربيع، عن مُحَمَّد بْن بشير، قَالَ: " كان وال بفارس قد احتجب بجهده إذ نجم شاعر بين يديه، فأنشده شعرا مدحه فيه، فلما فرغ، قَالَ: قد أحسنت.
ثم أقبل على كاتبه، فقال: أعطه عشرة آلاف درهم.
قَالَ: ففرح الشاعر فرحا كاد أن يستطير به، فلما رأى حاله، قَالَ: وإني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع، يا فلان، اجعلها عشرين ألف درهم.
قَالَ: فكاد الشاعر أن يخرج من جلده.
قَالَ: فلما رأى فرحه قد أضعف، قَالَ: وإن فرحك ليتضاعف على تضاعف القول، يا فلان، أعطه أربعين ألف درهم.
قَالَ: فكاد الفرح يقتله.
قَالَ: فلما رجعت نفسه إليه، قَالَ له: جعلت فداك، كلما رأيتني قد ازددت فرحا تزيدني في الجائزة؟ قَالَ: ثم دعا وخرج.
قَالَ: فأقبل عليه كاتبه، فقال: سبحان اللَّه، هذا يرضى منك بأربعين درهما، تأمر له بأربعين ألف درهم؟ قَالَ: وتريد أنّ تعطيه شيئا؟ إنما هذا رجل سرنا بكلام، وسررناه بمثله، فهو حين يزعم أني أحسن من القمر، وأشد من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف، جعل في يدي من هذا شيئا أرجع به؟ أليس يعلم يعلم أنه قد كذب، ولكن قد سرنا حين كذب علينا، فنحن أيضا نسره بالقول، وإن كان كاذبا، فيكون كذبا بكذب "