٢٨٨ - في كتابي عن أبي تغلب عبد الوهاب بْن علي بْن الحسن الملحمي، قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أبو الفرج المعافى بْن زكريا الجريري، قَالَ: أنبأنا مُحَمَّد بْن الحسن بْن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن يعني: ابن عبيد اللَّه بْن قريب ابن أخي الأصمعي، عن عمه، قَالَ: " أبخل أهل خراسان أهل طوس، وكانت قرية من قراها قد شهر أهلها بالبخل، وكانوا لا يقرون ضيفا، فبلغ ذلك واليا من ولاتهم، ففرض عليهم قرى الضيف، وأمرهم أن يضرب كل رجل منهم وتدا في المسجد الذي يصلي فيه، وقال: إذا نزل ضيف فعلى أي وتد علق سوطا أو ثوبا فقراه على صاحب الوتد، وكان فيهم رجل مفرط البخل، فعمد إلى عود صلب، فملسه وحدده وصيره في زاوية المسجد، ووتده منصوبا ليزل عنه ما علق عليه، فدخل المسجد ضيف، فقال في نفسه: أن يكون هذا الوتد لأبخل القوم، وإنما فعل هذا هربا من الضيافة.
فعمد إلى عمامته، فعقدها على ذلك الوتد عقدا شديدا، فثبتت، وصاحب الوتد ينظر إليه قد سقط في يديه، فجاء إلى امرأته مغتما، فقالت: ما شأنك؟ فقال: البلاء الذي كنا نحيد عنه، قد جاء الضيف ففعل كذا وكذا.
فقالت: ليس لنا حيلة إلا الصبر، واستعانة اللَّه عليه.
وجعلت تعزيه، واجتمع بناته وجيرانه متحزنين لما حل به، وكان أمر الضيف عندهم عظيما، فعمد إلى شاة فذبحها، والى دجاجة فاشتواها، والى جفنة فملأها ثريدا ولحما، فجعلت امرأته وبناته وجاراته يتطلعن من فروج الأبواب والسطوح إلى الضيف وأكله، وجعلوا يتبادرون: قد جاء الضيف، ويلكم، قد جاء الضيف.