٥٥٨- (أخبرنا) : عَبْدُ المَجيد بنُ عبد العزيز، عن ابن جُرَيْجْ أخبرني ابن أبي مُلَيْكَةَ قال:
- تُوفيتْ ابنةٌ لعثمانَ بنِ عفان بمكةَ فجِئنا نَشْهَدُها وحَضَرَها ابنُ عَباسٍ وابنُ عُمَر فقال: إني لجالس بَيْنَهما جَلَستُ إلى أحدِهِما ثم جاء الآخر فجلس إليّ فقال ابن عُمَر لعَمْرو بن عُثْمان: ألا تَنْتَهي عن البُكَاء فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: إن المَيّتَ لَيُعَذَّبُ ببكاء أَهْلِه عَلَيه فقال ابنُ عباسٍ: قد كان عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذلك ثم حَدَّثَ ابن عَبَّاس قال:
صَدَرْتُ مع عُمَرَ بنِ الخطّاب من مكّةَ حتى إذا كُنّا بالبَيْداءِ إذا بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شجرة قال فاذْهَبْ فانْظُر مَنْ هؤلاءِ الركبُ؟ فذهبتُ فإذا صُهَيبٌ قال ادْعُه فَرَجَعْتُ إلى صُهَيب فقلتُ ارْتَحِلْ فالْحَقْ بأميرِ المؤنين فلما أُصيب ⦗٢٠١⦘ عُمَرُ سَمِعْتُ صُهَيْباً: يَبكي ويقول وا أخيَاه واصاحباه فقال عُمَرُ يا صُهَيبُ: أتبكي عَلَيَّ وَقَدْ قال رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن المَيّتَ لَيُعَذَّبُ ببُكاء أَهْلِه عَلَيْه؟ قال فَلَمَّا مات عُمَرُ ذكرتُ ذلك لعائشةَ فقالت يَرْحَم اللَّهُ عُمَر لا واللَّه ما حَدَّثَ رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه (قوله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وفي رواية: ببكاء الحي وفي رواية ببعض بكاء أهله وفي رواية يعذب في قبره بما نيح عليه وهي كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ونسبتها السيدة عائشة للنسيان وأنكرت أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالها محتجة بقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» وقال الجمهور إنها مؤولة بمن أوصى أن يبكبي ويناح عليه بعد موته فهذا يعذب ببكاء أهله لأنه بمشيئته وطلبه فإن بكى أهله عليه وناحوا بغير أن يطلب منهم ذلك فلا ذنب له وإنما الذنب ذنبهم فلا يعذب لقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» قالوا وإنما أطلق الحديث لأنه كان من عادتهم في الجاهلية: أن يوصوا بالبكاء فجاء الحديث مطلقا على المتعارف لديهم ألا ترى في قول طرفة:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي على الجيب يا إبنة معبد
وقول الآخر:
نى ابنتاي أن يعيش أبوهما * وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر؟؟
فقوما فقولا بالذي تعلمانه * ولا تخمشا وجهاً ولا تحلقا شعراً
إلى الحول ثم اسم ارم عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقالت طائفة: هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوصي بتركهما فمن لم ينه عن البكاء مفرط في الواجب فيؤخذ بتفريطه وأما من نهى عن ذلك فقد خرج من التبعة ولا ذنب له فيما فعل غيره ومعنى هذا القول: أنه يجب على الإنسان أن يوصي أهله بترك النياحة عليه وقالت جماعة: معناه أن الميت يعذب بما يعدده النائحات ويذكرنه للميت من مفاخرهم التي نهى عنها الإسلام كالسب والقتل والتخريب ونحو ذلك مما كانوا يعدونه شجاعة ومن خير ما قيل في تأويله: أن المراد بالميت من أشرف على الموت فإنه في ساعاته الأخيرة يتألم أشد الألم من رؤية أهله باكين عليه فهذا معنى تعذيبه وسمي ميتا وإن كان لا يزال حيا باعتبار ما يؤول إليه حاله وقالت عائشة: إنه في الكافر والمراد أنه يعذب بذنبه في وقت بكاء أهله عليه وعلى كل: فالمراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين كما قلنا سابقا) ولكن رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال إن اللَّه يَزِيدُ الكافِرَ ⦗٢٠٢⦘ عَذَاباً ببُكاء أَهْله عَلَيْه فقالتْ عائشةُ حَسْبُكم القُرآنُ (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وقال ابن عَبَّاسٍ عند ذلك: (واللَّهُ أَضْحَكَ وأَبْكَى) وقال ابن أبي مُلَيْكَةَ فَواللَّه ما قال ابن عُمَرَ من شئ (يؤخذ من حلفها هذا أنه يجوز للانسان أن يحلف على ما لم يقطع به اكتفاء بغلبة الظن بالقرائن وهذا مذهب الشافعية ولا يقال: إنها حلفت على علم لسماعها ذلك من الرسولُ صلى اللَّه عليه وسلم في آخر حياته لأنه لو سمعته لقالت: سمعته من رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في آخر حياته مع أنها لم تحتج إلا بالآية: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» .