قال ابن بسام في الذخيرة، إن أبا عبد الله بن شرف قال يوماً للمأمون ابن ذي النون أيام خدمته إياه، واستشفافه صبابة عمره في ذراه وقد أجروا ذكر أبي الطيب، فذهبوا في وصفه كل مذهب: إن رأى المأمون) لا فارق العزة والعلاء (أن يشير إلى أي قصيدة شاء من شعر أبي الطيب حتى أعارضه بقصيدة تنسى اسمه، وتعفى رسمه، فتثاقل ابن ذي النون عن جوابه علما بضيق جنابه، وإشفاقاً من فضيحته وانتشابه، وألح أبو عبد الله حتى أحرج ابن ذي النون، وأغراه، فقال له: دونك قوله:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقى
فخلا بها ابن شرف أياماً فوجد مركبها وعراً ومريرتها شزرا، ولكنه أبلى عذراً، وأرهق نفسه من أمرها عسراً؛ فما قام ولا قعد، ولا حل ولا عقد. وسئل ابن ذي النون بعد. أي شيء أقصده إلى تلك القصيدة؟ فقال: لأن أبا الطيب، يقول فيها: بلغت بسيف الدولة النور رتبة، وأنشد البيتين. قال ابن بسام وقد حدثت أيضاً أن أبا علي بن شيق ناجي نفسه بمعارضة أبي الطيب في بعض أشعاره، وراطن شيطانه بالدخول في مضماره، فأطال الفكرة، وأعمل النظرة بعد النظرة، فاختار من شعره ما لم يطر ذكره، ولا انحط قدره، فأداه جهده، وذهب به نقده، إلى معارضة قوله:
أمن ازديارك في الدجى الرقباء
فبث عيونه، واستمد شياطينه، فلم يدع ثنية إلا طلعها، ولا دوية إلا اتسع لها، فوسعها، ثم صنع قصيدة رأى أنها مادة طبعه، ومنتهى طاقة فنه ووسعه، ثم حكم نقده، ورضى ما عنده، فرأى أن قد قصرت يداه، وقصر مداه، وعلم أن الإحسان كنز لا يوجد بالطلب.
ومن التلميح ما كتبه العلامة عماد الفضائل والآداب سمى من ألف برسمه هذا الكتاب إلى مضاهيه ومثليه، ورسيله في الفضل وزميله، شيخنا النجم الذي بنوره تشرق الدجنة، وأرسله من دمشق إلى حلب مع هدية، من جملتها أديب عليه سيمياء