للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال الناقض: إن هذا اللازم ليس بمحال من جميع الجهات، بل هو محال إن فرضنا أنه يقطعها فى أزمنة متناهية، وليس بمحال إن فرضنا أنه قطعها فى أزمنة غير متناهية لأن حال الزمان والمسافة واحد فيما يلزم من ذلك. فهذا وإن كان قد أبطل القياس الذى رام أن يبطل الحركة به، لكنه لم يعرض لبيان الكذب الذى فى مقدماته.

وأما من ناقض هذا التبكيت السوفسطائى بأن قال: إن المتحرك ليس يقطع قبل تمام المسافة مسافات كثيرة، وإنما يقطع مسافة واحدة فى زمان واحد، وإنما كان يجب أن يقطع مسافات كثيرة لو كانت الحركة الواحدة مؤلفة من حركات كثيرة بالفعل، وكذلك المسافة من مسافات كثيرة، فقد نقض الكذب الذى فى المقدمات. ولذلك قيل إن تلك مقاومة بحسب القول. وهذه مقاومة بحسب الأمر نفسه. وأيضاً فهذه المقاومة قد تضعف أيضاً فى صناعة الجدل. لأنه ليس بمشهور أن يقال إن الشىء الواحد بعينه يكون صادقاً من جهة، وكاذباً من جهة، أو معروفاً من جهة، مجهولا من جهة. بل المقاومة المشهورة فى أمثال هذه الأشياء أن يقال: إن المعروف غير المجهول. لأنه لو كان زيد هو الداخل فى الدار، أو هو المسئول عنه، للزم أن يوجد زيداً داخلا فى الدار ضرورة ما دام زيد موجوداً، وكذلك ما دام مسئولا عنه، ويكون أخذ ما به زيد موجوداً هو دخوله فى الدار أو السؤال عنه. فالمعروف إذن من زيد عند الجمهور هو زيد. إذ كان المعروف هو الذى بالذات، والمجهول هو الذى بالعرض. فإن من علم أن هذا أبيض، وجهل أنه موسيقار، فقد علم شيئاً، وجهل شيئاً آخر.

<<  <   >  >>