قال: وينبغى ألا يجهل ما عرض لنا فى هذه الصناعة. فإن من الصنائع ما قد قيل فى مبادئها، وإنما بقى منها على المتأخر تتميم تتميم تلك المبادىء، ومنها ما لم يقل فى مبادئها شىء.
وهذه إذا شرع فى النظر فيها، فقد يعسر على الناظر فيها أن يأتى فى ذلك بشىء كثير من أجزاء تلك الصناعة، بل إن أتى، فإنما أتى فى ذلك بشىء صغير يسير، إلا أنه، وإن كان صغيراً فى القدر، فعسى أن يكون آثر من ذلك الشىء الكبير الذى يأتى به المتأخر تكميلا للصناعة التى قد فرغ المتقدم من مبادئها. وإنما كان ذلك كذلك، لأن القول فى المبدأ عسير، والقول فيما بعد المبدأ سهل. ولذلك كان القول فى المبدأ، وإن كان يسيراً فى القدر، فهو عظيم فى القوة. والقول فيما بعد المبدأ، وإن كان كثيراً، فهو صغيراً فى القوة. وهذا بعينه عرض لنا فى هذه الصناعة بالإضافة إلى سائر الصنائع المنطقية الأربع، فإنه لم نلف فى هذه الصناعة شيئاً يتنزل منها منزلة المبدأ، ولا منزلة الجزء. وأما سائر الصنائع، فإنا، وإن لم نلف منها شيئاً يتنزل منزلة المبدأ، فقد ألفينا شيئاً يتنزل منزلة الجزء،