فإذن لا يحيط علماً بأنواع القياسات المغلطة إلا من وقف على القياس الجدلى الصحيح والقياس البرهانى الصحيح، وهو الذى مقدماته، مع أنها صادقة، مناسبة. والصناعة البرهانية لما كانت تقتصر على إثبات أحد النقيضين، وهو الصادق، وإبطال النقيض الآخر الذى هو الكاذب. لم يضع مقدماتها من جهة السؤال. لأن المجيب قد يسلم ما ليس هو صادقاً. وأما صناعة الجدل فلما كانت معدة معرضة لأن تثبت كل واحد من النقيضين وتبطله كانت مقدماتها مأخوذة بالسؤال، ولم يكن قصدها تبيين شىء من الأشياء إلا إذا استعملت فى تبيين المبادىء الأول مع من يجحدها، على ما تبين فى كتاب الجدل.
والصناعة الامتحانية الجدلية تستعمل من أجناس المقاييس السوفسطائية الجنس الذى يكون من المقدمات العامة الكاذبة التى ليست بخاصة بجنس من الأجناس، إذ كانت ليس لها موضوع خاص، لأنها جزء من صناعة الجدل. وليس صناعة الامتحان الجدلية، ولا بالجملة صناعة الجدل عند من يتعاطاها، كصناعة الهندسة، وغيرها من الصنائع البرهانية. فإن صناعة الامتحان الجدلية، والجدل نفسه، لما كان ليس لها موضوع خاص، وكانت المقدمات المشهورة مشتركة المعرفة للجميع أمكن أن يشارك العوام ومن لا علم له بصناعة الجدل والامتحان من عنده علم بهذه الصناعة، بخلاف الأمر فى صناعة الهندسة، أعنى أنه ليس يوجد أحد يشارك المهندس فى صناعته. لكنهم وإن شاركوا أهل هذه الصناعة، فمشاركتهم هى مشاركة يسيرة. ولما كانت صناعة الامتحان الجدلى تستعمل التبكيت العام المغالطى من جهة أنها