فقد تبين أنه كما أن لهؤلاء أن يناقضوا الأمور الشنيعة التى ينتجها عليهم التقابل من هذه المواضع، كذلك للسائلين أن يضطروا المجيب من المواضع التى ذكرناها، إما إلى التبكيت، وإما إلى الإقرار بالشنيع.
وقد يكون من مفردات المسائل ما يتفق فيها أن يلزم السائل المجيب الشنيع بأى المتناقضين أجاب. والمواضع التى تفعل هذا هى التى تسوق المخاطب إلى الشك والحيرة، وهو الغرض الثالث من أغراض السوفسطائيين، مثل قول القائل: أىّ ينبغى أن نطيع أكثر: الحكماء أم الآباء؟ فإن قيل) الآباء (، قيل فمخالفة ما تقتضيه الحكمة واجبة. وإن قيل) الحكماء (، قيل فعصيان الوالدين إذن واجب. وكذلك هل ينبغى أن نؤثر ماهو عدل أم ما هو نافع. ومثل هل أن تظلم آثر من أن تظلم، أم الأمر بالعكس. وبالجملة: فإن هذا النحو من الحيرة يلحق جميع الأشياء التى تتضاد فيها آراء الحكماء مع آراء الجمهور