للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحيتان، وحواصل الطير (١)، وأقاصي التخُوم (٢)، ومدارج الرياح، فكيف تجتمع أجزاؤه؟ أم كيف (٣) تتألف أعضاؤه؟ وكيف نتصور مسائلة الملكين لمن هذا وصفه (٤)؟ أم كيف يصير القبر على من هذا حاله روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟ (٥).


(١) في (ع): الطيور.
(٢) التَخْمُ: منتهى كل قرية أو أرض، والجمع تخوم، الصحاح ٥/ ١٨٧٧.
(٣) في (ظ): وكيف.
(٤) في (ظ): صفته.
(٥) أورد ابن القيم اعتراض الملاحدة هذا بنصه في كتابه الروح ص (٦٢)، فلا أدري أنقله عن التذكرة أم من المصدر الذي نقل عنه القرطبي، والذي يظهر أنه نقله عن التذكرة؛ لأنه أورد نقولًا عن القرطبي مستشهدًا بها أحيانًا ورادًا عليها أحيانًا أخرى، ثم ذكر قاعدة عظيمة توضح المنهج القويم في الفهم عن الله تعالى ورسوله الذي يزيل عن المسلم ما قد يرد عليه من إشكالات وشبه، ثم رد على تلك الشبهات، وهذا ملخص ذلك كل: حيث يقول: ينبغي أن يُفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت الإسلام في القصد، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، لا سيما إن أضيف إليه سوء القصد، فيتفق سوء الفهم من المتبوع مع سوء قصده وسوء القصد من التابع، فيا محنة الدين وأهله، والله المستعان، وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة، وسائر أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله، حتى صار الدين بأيدي أكثر الناس هو موجب هذه الأفهام، والذي فهمه الصحابة ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يتلفت إليه ولا يرفع هؤلاء به رأسًا، ولكثرة أمثلة هذه القاعدة تركناها، ولو ذكرناها لزادت على عشرة ألوف حتى إنك لتمر على الكتاب من أوله إلى آخره فلا تجد صاحبه فهم عن الله ورسوله مراده كما ينبغي في موضع واحد، وهذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس وعرضه على ما جاء به الرسول ، وأما من عكس الأمر بعرض ما جاء به الرسول على ما اعتقده وانتحله وقلد فيه منَ أحسن به الظن فليس يجدي الكلام معه شيئًا فدعه وما اختاره لنفسه وَوَلِّهِ ما تولى، وأحمد الله الذي عافاك مما ابتلاه به. ومما يعلم هنا أن الله جعل الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكامًا تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعًا لها؛ ولهذا جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافه، وجعل =

<<  <  ج: ص:  >  >>